توقيت القاهرة المحلي 20:27:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السودان بلغ نقطة الخطر

  مصر اليوم -

السودان بلغ نقطة الخطر

بقلم : عثمان ميرغني

مثل قطار بلا كوابح تندفع الأمور في السودان، ولا أحد يعرف أين سيتوقف القطار؛ في محطة الانتخابات، في محطة الانقلاب، أم في محطة الفوضى والاحتراب. الأزمة السياسية الطاحنة طغت على كل ما عداها، وبلغت حداً جعل الأطراف المتصارعة تتجه نحو صدام لا أحد يعرف إلى أين سيتجه بالبلد.
منذ بداية الأسبوع تشهد الخرطوم اعتصاماً أمام القصر الرئاسي نظمته الأطراف المتحالفة مع المكون العسكري في السلطة الانتقالية والتي تطالب بحل حكومة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك وتشكيل حكومة جديدة «ذات قاعدة عريضة»، ما يعني تمثيل قوى أخرى بما فيها بعض واجهات الإسلامويين. هذا الأمر كان واضحاً في خطابات الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة، ونائبه في المكون العسكري بمجلس السيادة الفريق محمد حمدان دقلو (الشهير بحميدتي) قائد قوات الدعم السريع. فمنذ التأجيج الشديد الذي حدث بين مكونات السلطة الانتقالية لا سيما بين الشقين المدني والعسكري، دعا البرهان وحميدتي أكثر من مرة لتمثيل مختلف القوى السياسية في الفترة الانتقالية تحت لافتة الوفاق وعدم إقصاء أي جهة باستثناء حزب المؤتمر الوطني، الحزب الحاكم إبان فترة الرئيس المخلوع عمر البشير.
وقتها بدا واضحاً شكل التحالف الذي تبلور بين المكون العسكري وبعض القوى السياسية الأخرى بما فيها أحزاب الإسلامويين وفلول النظام السابق، وانضمت إليه بعض الحركات المسلحة التي انخرطت في العملية السياسية وتشارك في الحكومة بمقتضى اتفاقية السلام الموقعة العام الماضي.
الدعوة التي يتبناها هذا التحالف وتتكرر في لافتات وخطابات المعتصمين أمام القصر الرئاسي، لحل حكومة حمدوك، كلمة حق أريد بها باطل. فالحقيقة أن هناك أطرافاً من قوى الثورة ترى منذ فترة أن المحاصصات السياسية أضرت بالحكومة، ومثلت انتهاكاً للوثيقة الدستورية، وأن الحل ربما يكون حلها وتكليف الدكتور حمدوك تشكيل حكومة جديدة من الكفاءات المهنية. المقصود هنا تقوية حكومة حمدوك وإبعادها عن الصراعات والمماحكات السياسية التي عوّقت عملها، وأضرت بصورتها، على أن تتفرغ الأحزاب السياسية لترتيب صفوفها والاستعداد للانتخابات المقررة في نهاية الفترة الانتقالية.
أما دعوة جناح القوى المتحالفة مع المكون العسكري لحل الحكومة واستبدال حكومة «ذات قاعدة عريضة» بها، فأهدافها مختلفة وتبدو في نظر كثيرين بمثابة «انقلاب زاحف» يبدأ بإعادة تشكيل الحكومة وإضعافها تدريجياً لصالح تمكين الجناح العسكري. وقد أفصح بعض أطراف هذا الجناح عما في الصدور عندما هتفوا أمام المشاركين في الاعتصام منادين الفريق البرهان لإصدار بيان الانقلاب.
في هذه الأجواء المحتقنة تنظم اليوم مظاهرات من قوى الثورة الداعمة للحكومة المدنية لقطع الطريق أمام محاولات التمكين لحكم المكون العسكري. وهناك مخاوف وتحذيرات من احتمال وقوع صدامات بين الطرفين، بشكل عفوي أو بتدبير فاعل، تكون مقدمة لأحداث عنف واسعة؛ فعمليات التحشيد لن تتوقف ومعها التأجيج واحتمالات الصدام. ويتحدث الناس علانية عن سيناريو يتوقعون فيه أن تكون أحداث العنف مبرراً لتدخل المكون العسكري وإعلان حالة الطوارئ وحل الحكومة لإعادة تشكيلها بضم حلفاء هذا المكون إليها، وتكون تلك بداية «الانقلاب الزاحف».
لماذا وصلت الأمور إلى هذه النقطة الحرجة؟
الإجابة من شقين؛ الأول هو أن صيغة الشراكة بين المدنيين والعسكريين التي كان يفترض أن تكون ركيزة التعاون الذي يقود البلاد عبر تحديات المرحلة الانتقالية، وصولاً إلى انتخابات تؤسس للتجربة الديمقراطية الرابعة في تاريخ ما بعد الاستقلال في السودان، هذه الصيغة اهتزت وعصفت بها الخلافات والأهواء والمطامع السياسية. الواضح أن الناس إما أنهم أفرطوا في التفاؤل بإمكانية نجاح هذه الصيغة على الرغم من إشكاليات كانت ظاهرة منذ البداية بشأن مدى التزام كل الأطراف بالانتقال الديمقراطي، أو أن الأطراف المعنية، أو فلنقل بعضها، أرادت بها المناورة وكسب الوقت للالتفاف على الأطراف الأخرى في الشراكة. لم يكن عصياً على كل من يتبصر، أن يدرك أن هذه الصيغة لن تكون سهلة، وأنها لكي تنجح لا بد لكل الأطراف أن تغلّب صوت العقل، ونهج المرونة، وتبتعد عن المشاحنات والمكايدات حتى تؤسس لبناء الثقة المطلوبة التي من دونها لن تصمد الشراكة. لكن المرونة غابت، وتراجعت الحكمة لصالح المناورات والمواجهات والتأجيج حتى وصلت الأمور إلى هذه النقطة الحرجة.
الشق الثاني من الإجابة أن المشاحنات والمناورات لم تعصف بالشراكة بين المكونين العسكري والمدني فحسب، بل أدت أيضاً إلى تشرذم «قوى الحرية والتغيير» التي كانت تمثل الحاضنة الرئيسية لقوى الثورة.
وإذا أردنا أن نكون أكثر دقة فإن خلافات «الحرية والتغيير» هي التي أضعفت الحكومة، وأغرت بعض أطراف المكون العسكري وفلول النظام السابق للتفكير في إعادة تشكيل المرحلة الانتقالية وابتلاع الثورة على مراحل.
ما الحل الآن بعد أن بلغت الأمور هذا المدى؟
لو كانت الأمور بالتمني لتمنى المرء أن توضع كل السلطات في يد حمدوك ليشكل حكومة جديدة مصغرة من التكنوقراط تدير الأمور حتى نهاية الفترة الانتقالية، ويبقى مجلس السيادة شرفياً لا يتدخل في السياسة ولا يقوم بمهام سياسية داخلية أو خارجية، ويتفرغ المكون العسكري لتنفيذ البنود الأمنية من اتفاقية السلام ودمج الحركات المسلحة وإعادة هيكلة القوات المسلحة بحيث لا يبقى هناك أي سلاح خارج منظومة القوات المسلحة.
لكن الواقع السياسي الراهن بكل تعقيداته ليس مجالاً للتمنيات، بل يتطلب حلولاً واقعية تقتضي مرونة من الأطراف. الشراكة بين المكونين المدني والعسكري، مهما كانت التحفظات عليها، لا يمكن فضها الآن للمخاطر الجمة التي ستنجم عن ذلك، والحل هو ترميمها واستعادة الثقة بين الطرفين. فالأوضاع لا تحتمل هذا التجاذب، وعلى المدنيين أن يضعوا في اعتبارهم الثمن الباهظ لتأجيج المواجهة مع المكون العسكري، بينما على العسكريين أن يدركوا أن الشارع السوداني لن يتقبل أي انقلاب على ثورته، كما أن خطوة كهذه ستواجه بمعارضة من المجتمع الدولي وستعني عودة السودان إلى عزلة قاسية في ظل ظروف اقتصادية صعبة.
هناك حوار مطلوب بين المكونين المدني والعسكري لوقف التصعيد والمزايدات، وللتوصل إلى خطوات محددة للتهدئة ولبرنامج مفصل لتنفيذ كل المطلوبات المحددة في الوثيقة الدستورية. فالاحتقان الراهن إن استمر فسوف يقود إلى كارثة محققة، لا على الثورة فحسب، بل على السودان ومستقبله في ظل السلاح المنتشر، والانقسامات الكثيرة، والتأجيج العنصري والجهوي الذي غذته بعض الأطراف.
هناك ما هو مطلوب من المكون العسكري بالتأكيد، لكن المطلوب من القوى المدنية أهم في تقديري. فخلافات المكون المدني تربك المشهد وتضعف الثورة وتغري من يتربصون بها، والظروف الآن تستدعي حواراً بينها لحل خلافاتها وإعادة توحيد صفوفها، بدلاً من انشغال بعضها بكعكة السلطة التي كانت مدخلاً لخلافات وصراعات واتهامات لبعض الأحزاب باختطاف الثورة، بينما الأوضاع في البلد بلغت نقطة الخطر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان بلغ نقطة الخطر السودان بلغ نقطة الخطر



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon