توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ولماذا استفزاز الصين...؟

  مصر اليوم -

ولماذا استفزاز الصين

بقلم:عثمان ميرغني

زيارة نانسي بيلوسي إلى تايوان من نوع السياسات الأميركية التي تجعلك تحكُّ رأسَك حيرة وأنت تحاول تحليلها وفهمها. خلقت أزمة خطيرة في وقت لا يحتاج العالم إلى المزيد من الأزمات والتوترات. فإذا كانت حرب أوكرانيا قد أربكت العالمَ بهذا الشكل، فما بالك بحرب في تايوان، ومواجهة بين أميركا والصين، أو بعبارة أخرى بين الغرب من ناحية والصين وروسيا من ناحية أخرى.
زيارة بيلوسي فكرة سيئة في التوقيت، وفي الإخراج، وفي النتائج. حتى في الغرب صنفها كثير من المحللين أنَّها من «أخطر لحظات التوترات منذ عقود»، سواء بالنسبة لتايوان، أو للعلاقات الأميركية - الصينية التي تتردَّى بسرعة كبيرة. صحيفة «نيويورك تايمز» تساءلت عما إذا كانت الزيارة ستصبح الشرارة التي تشعل المواجهة بين الولايات المتحدة والصين. أما في لندن فقد وصفتها صحيفة «فاينانشيال تايمز» بالفكرة السيئة، في حين قالت مجلة «الإيكونوميست» إنَّها تسلط الضوء على استراتيجية أميركا غير المترابطة والفوضى في سياسات إدارة بايدن.
ما الفائدة من استفزاز الصين الآن بينما أميركا ذاتها مشغولة بحرب أوكرانيا والتوتر الخطير مع روسيا؟ ولماذا اختارت بيلوسي هذا التوقيت لزيارة من الصعب تحديد مكاسب واضحة منها، ومن السهل رؤية مخاطرها؟
من المستبعد أن تكون الزيارة لأسباب انتخابية قبيل الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي التي ستجرى في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، لأنَّ هموم الناخب الأميركي في هذه الانتخابات داخلية واقتصادية، أكثر ممَّا هي في الصين والسياسات الخارجية. اللهم إلا إذا كانت بيلوسي تتوقَّع مثل أغلب المحللين أن تقلب هذه الانتخابات الموازين في الكونغرس لمصلحة الجمهوريين، ما قد يؤدي لخسارة الديمقراطيين رئاسة مجلس النواب، وبيلوسي تريد أن تزور تايوان بصفتها رئيسة للمجلس حتى يكون للزيارة وقع أكبر، وحتى تختم فترتها في المنصب بخطوة ستذكر كثيراً لاحقاً بشكل أو بآخر.
فالزيارة هي الأولى التي يقوم بها رئيس لمجلس النواب الأميركي إلى تايوان منذ ربع قرن، أي منذ الزيارة التي قام بها رئيس آخر لمجلس النواب هو الجمهوري نيوت غينغريتش عام 1997، وأثارت أيضاً جدلاً واهتماماً، وما تزال تذكر حتى اليوم في تاريخ التوترات بشأن تايوان.
الحسابات الانتخابية قد تكون أهم للرئيس الصيني شي جينبينغ، لأنَّه يسعى للترشح لولاية جديدة في المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي المقرر قبيل نهاية العام. ويواجه شي تحديات داخلية تتمثل في تباطؤ الاقتصاد، وتبعات القيود المشددة بسبب جائحة كورونا، وآخر ما يريده الآن أن يبدو متردداً في مواجهة ما تراه بكين استفزازاً أميركياً بشأن تايوان وتحدياً لسياسة الصين الموحدة. لذلك جاء الرد الصيني غاضباً ومتوعداً بأن «جيش الشعب» لن يقف مكتوف الأيدي، وذلك بعدما كان شي قد أبلغ بايدن بأنَّ أميركا تلعب بالنار إذا حاولت انتهاك سياسة «الصين الواحدة».
الزيارة مثَّلت أيضاً استفزازاً للقيادة الصينية التي ظلَّت في الآونة الأخيرة تتبنى مواقف أكثر تشدداً إزاء تايوان التي تتمسك بأنَّها جزء منها، وأنَّ تحقيق الصين الواحدة «مهمة تاريخية والتزام لا يتزعزع من جانب الحزب الشيوعي الصيني»، وأمر لا يمكن الاستمرار في تأجيله وتركه «ينتقل من جيل إلى جيل».
والسؤال إلى أين سيمضي شي الآن في مواجهة الأزمة التي أثارتها زيارة بيلوسي؟ هل سيكتفي برد عسكري رمزي، أم يغامر بخطوة أكبر توسع الأزمة وترفع خطر مواجهة عسكرية من شأنها أن تضع الصين في مواجهة محتملة مع أميركا؟
في منتصف 1995، أعربت بكين عن غضبها من زيارة غير رسمية إلى الولايات المتحدة قام بها الرئيس التايواني السابق لي تنغ هوي بإطلاق صواريخ في البحر بالقرب من الجزيرة، لكن التوتر استمر بضعة أشهر قبل أن تقرر الصين التهدئة مفضلة سياسة النفس الطويل، لكي تركز على تنميتها الاقتصادية. لكن ذلك كان قبل 27 سنة.
الصين اليوم هي غير الصين أمس، وأي مواجهة بينها وأميركا حول تايوان، أو أي أزمة أخرى ستجرّ العالم إلى كارثة حقيقية بكل معنى الكلمة. الصين اليوم أكثر قوة وثقة، ولم تعد تنافس أميركا على الريادة الاقتصادية والقوة العسكرية فحسب، بل صارت تفرد عضلاتها وتمد نفوذها حول العالم. لذلك جاء الرد على زيارة بيلوسي بعرض كبير للقوة، إذ أعلنت بكين عن مناورات تستمر أربعة أيام بالذخيرة الحية براً وجواً وبحراً، وإغلاق منطقة كبيرة تصل إلى خط التماس مع تايوان، وإجراءات بوقف تصدير واستيراد سلع مع الجزيرة، وتأكيد سياستها لإعادة توحيد الصين.
وعلى الرغم من أنَّ إدارة بايدن حاولت التقليل من الزيارة، ودعت إلى عدم تحويلها إلى أزمة قائلة إنَّ سياستها إزاء تايوان لم تتغير، فإنَّ ذلك لم يخفف من حدة التوتر. فالصين لا تبدو مقتنعة بأنَّ زيارة بيلوسي تمَّت في تحدٍ للبيت الأبيض، ومن غير أي تنسيق ولو بشكل غير رسمي. فالإدارة ديمقراطية، ورئاسة مجلس النواب ديمقراطية، ومن الصعب استيعاب أن تكون بيلوسي تريد إحراج إدارة بايدن. صحيح أن رئيسة مجلس النواب (82 عاماً) محسوبة على جناح الصقور في مواقفها من الصين، ولكن بايدن أيضاً ليس من جناح الحمائم في هذا الشأن، والإدارة كلها تضع الصين نصب عينيها كأكبر تهديد لأميركا ومصالحها ومركزها الريادي في العالم. كل هذا جعل الصين تنظر إلى تباين المواقف المعلن إزاء الزيارة بين بيلوسي والبيت الأبيض على أنه تبادل أدوار ليس إلا.
وفي هذا الصدد أشارت بكين في تعليقاتها إلى أنَّ واشنطن استبقت زيارة بيلوسي بإرسال المزيد من السفن الحربية والطائرات، وبوضع قواتها في المنطقة في حالة تأهب. وكل هذا يحدث في ظلّ وجود عسكري أميركي متزايد، في وقت لا تخفي واشنطن أنَّها تعيد ترتيب أولوياتها الاستراتيجية، وتركز اهتمامها على الصين ومنطقة المحيط الهادي.
هناك جهات تراهن على أنَّ الرد الصيني سيكون محدوداً لأنَّ شي لا يريد المخاطرة بخطوات تهزّ الاقتصاد الصيني أكثر في وقت لم يتعافَ فيه بعد من تداعيات جائحة كورونا. هذا الأمر وارد، ولكنَّه لا يعني أنه يجب التقليل من حدة الأزمة التي أثارتها الزيارة، والاستفزاز الذي شكلته للقيادة الصينية في وقت يستعد فيه شي لمؤتمر الحزب الشيوعي ويطمح في ولاية ثالثة. فالمرجح أنَّ الردَّ الصيني هذه المرة قد يستمر لفترة أطول مما حدث في الأزمات السابقة، وهو ما سيختبر واشنطن وسياستها، وفي الوقت ذاته يزيد من مخاطر أي خطوات غير محسوبة.
بيلوسي ربما نجحت في كسب الأضواء لجولتها، وسجلت نقاطاً تضيفها إلى رصيد فترة رئاستها لمجلس النواب، لكن الزيارة سينظر إليها أيضاً على أنَّها كانت عملاً استعراضياً، أغضب بكين من دون أن يحسّن أمن تايوان، وأحرج إدارة بايدن، وكشف مشاكل واضطراب سياستها الخارجية.
الحسابات الخاطئة تقود إلى نتائج خاطئة، والعالم في ظلّ أوضاعه المتوترة الراهنة يبدو على بعد خطوة واحدة غير محسوبة من كارثة تقود إلى حرب نووية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ولماذا استفزاز الصين ولماذا استفزاز الصين



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon