توقيت القاهرة المحلي 11:11:49 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العدو الأول

  مصر اليوم -

العدو الأول

بقلم : عثمان ميرغني

 إذا عرفنا أن الفساد يكلف العالم سنوياً نحو 2.6 تريليون دولار يذهب منها تريليون دولار للرشاوى، حسب تقارير وتقديرات البنك الدولي، فسنفهم الاهتمام الذي تلقاه الحروب التي تشن على الفساد في عدد من الدول حول العالم. فتكلفة الفساد ليست مادية فحسب، وإنما اجتماعية وسياسية واقتصادية أيضاً، وتصل إلى حد اعتباره مهدداً للأمن القومي وللاستقرار والسلم الاجتماعي.

كثير من الدول التي شهدت اضطرابات سياسية خصوصاً في العالم النامي، كان للفساد دور في الأمر، خصوصاً مع انتشار مشاعر الغبن. وأحداث الربيع العربي ليست بعيدة عن الأذهان، إذ إنه ضمن العوامل المتعددة وراء إشعال فتيل الغضب كان موضوع الفساد حاضراً في تعبئة الناس.

الفساد بالتأكيد ليس ظاهرة متعلقة بالدول النامية، إذ تعاني منه بدرجات متفاوتة معظم دول العالم. وهذا يعود إلى أن الفساد يعرف بأنه استغلال المنصب أو الموقع لأغراض المنفعة الشخصية، ويشمل ذلك الرشوة والاختلاس والمحسوبية والتلاعب بالعقود والمناقصات وغسل الأموال. فقد أشار تقرير منظمة الشفافية العالمية للعام الماضي إلى أن ثلثي دول العالم أحرزت أقل من نسبة 50 في المائة في سلم الشفافية وتدني الفساد.

فبينما كانت أفضل الدول هي دول مثل نيوزيلندا والدنمارك وفنلندا والنرويج وسويسرا، حلت دول مثل سوريا وليبيا والسودان والعراق واليمن والصومال وأفغانستان ودولة جنوب السودان في ذيل القائمة، مما يعني أن الدول التي تعاني من عدم الاستقرار والحروب تكون أكثر عرضة للفساد الذي يجد بيئة صالحة للانتشار. لكن هذا ليس معياراً ثابتاً لأن هناك دولاً مستقرة مثل كوريا الجنوبية تعاني من هذه الآفة، إذ حوكم فيها بتهم الفساد عدد من كبار المسؤولين بينهم خمسة رؤساء سابقين، آخرهم السيدة بارك غيون هاي التي بدأت يوم الجمعة الماضي حكماً بالسجن لمدة 24 عاماً، مع تغريمها ما يعادل 17 مليون دولار بعد إدانتها باستغلال النفوذ والرشوة، وهي الاتهامات التي كانت قد تسببت في الإطاحة بها من منصب الرئاسة العام الماضي.

وفي الوقت ذاته تقريباً تناقلت وسائل الإعلام خبر اقتياد الرئيس البرازيلي السابق لويز إيناسيو لولا دا سيلفا إلى السجن بعد رفض المحكمة استئنافه، وقرارها بتنفيذ الحكم الصادر ضده بالسجن 12 عاماً، علماً بأن القضية تثير انقساماً واسعاً في البرازيل، حيث كان دا سيلفا متقدماً في استطلاعات الرأي ومرشحاً للفوز في الانتخابات المقررة في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

جهات الاختصاص تحدد أبرز مخاطر الفساد في أنه يعد معرقلاً خطيراً لجهود التنمية وتبديد موارد تذهب إلى غير وجهتها الصحيحة، وتضيع بسببه أموال طائلة تذهب إلى جيوب المنتفعين بدلاً من توجيهها في خدمة البلد ومصالح الناس، كما أنه يقضي على روح المنافسة النزيهة ويشجع على الرشوة، وبسببه تضيع المعايير الصحيحة في إرساء العطاءات، واختيار الكفاءات مما ينشر الإحساس بالغبن وعدم العدالة. الأخطر من ذلك أنه يردع المستثمرين الخارجيين الذين يتخوفون من ضياع الأموال وتبديد الجهود، كما يجعل بعض الدول المانحة تتردد في تقديم الدعم لبعض الدول لإدراكها أن الأموال أو قسماً كبيراً منها يذهب لجيوب النافذين، بدلاً من المشروعات التي من أجلها خصصت المساعدات. وفي هذا الصدد أشارت دراسة لصندوق النقد الدولي إلى أن معدلات الاستثمار الخارجي في الدول التي تعاني من الفساد تكون أقل بنسبة 5 في المائة مقارنة بالدول الأقل فساداً.

أفريقيا دفعت ثمناً باهظاً في هذا المجال الذي عرض ثرواتها للنهب، وعصف باستقرارها السياسي ردحاً طويلاً من الزمن. واستناداً إلى الاتحاد الأفريقي، فإن الفساد يكلف دول القارة ما لا يقل عن 148 مليار دولار سنوياً كان يمكن أن تذهب لمشروعات التنمية أو لتحسين خدمات ضرورية يحتاج إليها الناس. كذلك قدرت منظمة الشفافية العالمية أن هناك نحو 75 مليون مواطن في أفريقيا على سبيل المثال يضطرون لدفع رشاوى إما لتسيير أعمالهم وقضاء حوائجهم في المؤسسات الرسمية، أو لتفادي غرامات وعقوبات يفرضها عليهم شرطي أو محصل جمارك.

هناك جهود جادة مقدرة تبذل في كثير من الدول لمواجهة الفساد، وهي جهود تستحق المؤازرة. فالخطوة الأولى تبدأ من توفر الإرادة السياسية القوية والقادرة على مواجهة أصحاب المصالح والمنتفعين الذين عادة ما يكونون أقوياء، وبينهم من هو في مواقع نفوذ. هذه الإرادة السياسية هي التي توفر الغطاء والحافز لعمل هيئات مكافحة الفساد الرسمية، ولتنفيذ القرارات التي تصدر في هذا الشأن. هناك أيضاً دور للمؤسسات سواء التنفيذية أو التشريعية، وأيضاً للإعلام في المراقبة والمساءلة، إذا كان لجهود مكافحة الفساد أن تتكامل. فالحكومات قد تصدر القرارات وتحدد إجراءات الرقابة والإصلاحات المالية، وقنوات مكافحة غسل الأموال، وغيرها من الخطوات المطلوبة، لكنها تبقى في حاجة إلى دور المؤسسات الأخرى التي عليها واجب الرقابة لضمان التنفيذ والمساءلة.

الفساد عدو لا يمكن الاستهانة به، ومحاربته ليست واجباً أخلاقياً فحسب، بل ضرورة اقتصادية وسياسية واجتماعية... وأمنية.

نقلا عن الشرق الآوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العدو الأول العدو الأول



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 04:54 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة
  مصر اليوم - الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة

GMT 10:32 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها
  مصر اليوم - ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 23:04 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

رونالدو يحرز الهدف الأول لليوفي في الدقيقة 13 ضد برشلونة

GMT 06:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تتأهل إلى نهائيات "أمم أفريقيا" رغم التعادل مع تنزانيا

GMT 05:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

موضة ألوان ديكورات المنازل لخريف وشتاء 2021

GMT 09:41 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسن يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة أسوان

GMT 03:51 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية للمناورة ”ردع - 2020”

GMT 04:56 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

فنادق تعكس جمال سيدني الأسترالية اكتشفها بنفسك

GMT 23:44 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين

GMT 11:46 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

جوارديولا يهنئ ليفربول بـ كأس الدوري الإنجليزي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon