توقيت القاهرة المحلي 13:56:12 آخر تحديث
الأربعاء 19 شباط / فبراير 2025
  مصر اليوم -
أخبار عاجلة

السودان... انتصار مدني وفتنة الانتقام!

  مصر اليوم -

السودان انتصار مدني وفتنة الانتقام

بقلم: عثمان ميرغني

«العين بالعين... تجعل العالم كله أعمى». تذكرت هذه العبارة المنسوبة للمهاتما غاندي خلال متابعتي لبعض الأحداث التي وقعت في ولاية الجزيرة وسط السودان، وكادت تغطي تماماً على أجواء الفرح العارم بين السودانيين، أو فلنقل بين أكثريتهم الساحقة، بعد الانتصار الذي حققته القوات المسلحة ومَن يقاتل في صفوفها من القوات المشتركة والمستنفرين، باستعادة مدينة مدني، «صرة السودان» ومعها الكثير من مناطق الولاية التي كانت تحت سيطرة «قوات الدعم السريع» لنحو عام ذاقت خلاله شتى صنوف المعاناة والانتهاكات الجسيمة.

في خضم أجواء الفرح، انتشرت على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تصور مناظر بشعة وصادمة لعمليات تصفية لأشخاص بالزي المدني على أيدي مسلحين بعضهم بزي القوات المسلحة، والبعض الآخر من المستنفرين. صحيح أن هذه الجرائم والموثق منها توثيقاً لا يقبل الشك، كانت محدودة، لكن أثرها كان كبيراً، وضررها بليغاً. فالسودانيون بطبعهم ينفرون من القسوة التي ظهرت في المقاطع التي سجلت تصفية أشخاص عزل بشكل فوري وانتقامي بالإعدام بالرصاص، أو بالذبح، أو بالتعذيب والإهانة ثم الرمي في النهر واتباع ذلك بإطلاق زخات من الرصاص.

إضافة إلى طبيعة الجرائم المروعة، كان مزعجاً أيضاً ما جرى تداوله، وتضخيمه في بعض الأحيان، عن استهداف سكان «الكنابي» في ولاية الجزيرة، وربط ذلك بدوافع عرقية. فقد أوردت بعض التقارير أن نحو 13 شخصاً قُتلوا على يد مسلحين في «كمبو طيبة»، وفسر الأمر على أنه بدوافع عرقية وجهوية، وهو أمر يطرق على وتر حساس يستغله الساعون لتأجيج خطاب العنصرية والجهوية والكراهية. والكنابي (مفردها كمبو بمعنى المعسكر) هي مناطق فقيرة يسكنها بالأساس متحدرون من غرب السودان وتحديداً من إقليم دارفور، استقروا في ولاية الجزيرة وعملوا بالزراعة وصاروا جزءاً من مكوناتها. وقد استغل وضعهم أحياناً لإثارة المشاكل الجهوية وتأجيج خطاب الكراهية، لا سيما إبان هذه الحرب. فبينما سعت بعض الأطراف للاصطياد في الماء العكر بتضخيم ما ورد عن الجريمة التي ارتكبت في «كمبو طيبة»، صدرت بيانات وتصريحات أخرى تنفي وقوع استهداف واسع أو ممنهج لسكان الكنابي، وتحذر من محاولات زرع الفتن وإثارة الكراهية.

الواضح لكثير من المتابعين أن الأحداث التي وقعت بعد تحرير مدني طغى عليها دافع الانتقام نتيجة الانتهاكات الواسعة التي حدثت على أيدي «قوات الدعم السريع» منذ اجتياحها ولاية الجزيرة ولا تزال مستمرة في مناطق وجودها. فهناك عدد من سكان الكنابي وغيرهم من الأهالي انضموا إلى «قوات الدعم السريع» وشاركوا في انتهاكاتها، أو عملوا مرشدين لها، أو قاموا بجرائم الاعتداء على البيوت والمحلات التجارية ونهبوها. لكن في مقابل هؤلاء هناك أيضاً أعداد من سكان الكنابي الذين شاركوا ضمن مستنفري أبناء الجزيرة الذين انضموا إلى صفوف القوات المسلحة وقاتلوا لاستعادة مناطقهم ودفاعاً عن مناطق أخرى.

يُحمد لقيادة الجيش أنها تحركت سريعاً لإدانة هذه الأحداث ومرتكبيها وتعهدت بالتحقيق فيها ومحاسبة المسؤولين عنها. كما أن الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش، حرص على التشديد على رفض سياسة الانتقام وأخذ الحقوق باليد، قائلاً إن كل متهم أو مشتبه يثبت تورطه «في دعم الميليشيا المتمردة» سيقدم لمحاكمة عادلة.

المهم الآن أن يتحرّك الجيش فعلاً لمحاسبة المسؤولين عن هذه التجاوزات لأنه قوة نظامية وليس ميليشيا، كما قال البرهان، وبالتالي لديه مسؤولية في تطبيق قوانينه والالتزام بالقوانين الإنسانية الدولية. وما يضيف من أعبائه أن هناك قوات وكتائب غير نظامية، وأعداداً من المستنفرين، يقاتلون في صفوفه، وهؤلاء قد يتصرفون بنهج مختلف خارج عن أسس الانضباط، وسبق أن صدرت من بعضهم تجاوزات شكا منها مواطنون، ما يعني أن هناك ضرورة لمبدأ المحاسبة حتى لا تنتشر أي مظاهر فوضى، أو يعتقد آخرون أنه يمكنهم أخذ حقوقهم بأيديهم والانتقام جراء ما أصابهم ولحق بأهلهم من انتهاكات «قوات الدعم السريع».

في ظل الأوضاع الصعبة التي يمر بها السودان، والاستقطاب الشديد الذي أحدثته الحرب، هناك أهمية أيضاً لمحاربة خطاب الكراهية ومحاولة إثارة الفتن، والمسؤولية هنا تقع على عاتق الجميع. فالذين يعتقدون أنهم يسجلون نقاطاً سياسية بتضخيم حادثة في الكنابي واستخدامها للتأجيج وإثارة نعرات عنصرية أو جهوية، إنما يغرسون خنجراً آخر في خاصرة البلد الممتحن بالجراحات والآلام، ولا يحتاج إلى المزيد.

هذه الحرب ستنتهي عاجلاً أم آجلاً، وإذا لم يراعِ البعض أن يجعل للصراع سقفاً لا يتجاوزه، وهو الوطن والحفاظ على تماسكه، والابتعاد عن كل ما يضعف وحدته، فإن هذه الحرب لن تكون آخر حروب السودان على الرغم من الكلام الإنشائي الذي يردده البعض ويفعل عكسه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان انتصار مدني وفتنة الانتقام السودان انتصار مدني وفتنة الانتقام



GMT 08:48 2025 الأربعاء ,19 شباط / فبراير

خيارات أخرى... بعد لقاء ترامب - عبدالله الثاني

GMT 06:34 2025 الأربعاء ,19 شباط / فبراير

قمة السعودية ونظام عالمي جديد

GMT 06:33 2025 الأربعاء ,19 شباط / فبراير

قطبا العالم في الرياض

GMT 06:32 2025 الأربعاء ,19 شباط / فبراير

العالم وإيران وبينهما نحن

GMT 06:31 2025 الأربعاء ,19 شباط / فبراير

تفويض عربي للرياض

GMT 06:30 2025 الأربعاء ,19 شباط / فبراير

عودة أخرى لعالم ترمب وعوالم أخرى

GMT 06:28 2025 الأربعاء ,19 شباط / فبراير

«حزب الله»... المدني

GMT 06:27 2025 الأربعاء ,19 شباط / فبراير

اختبار مسيرة الإصلاح العربي؟!

أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:06 2025 الأربعاء ,19 شباط / فبراير

أفضل الوجهات الشاطئية الرخيصة حول العالم
  مصر اليوم - أفضل الوجهات الشاطئية الرخيصة حول العالم

GMT 13:17 2025 الأربعاء ,19 شباط / فبراير

اشتباكات بعد مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في نيويورك
  مصر اليوم - اشتباكات بعد مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في نيويورك

GMT 03:58 2017 الجمعة ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتشاف أنواع جديدة من إنسان الغاب في إندونيسيا

GMT 13:01 2021 الخميس ,13 أيار / مايو

4 معلومات عن فيلم حنان ترك الجديد "النداهة"

GMT 22:38 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

أمير توفيق يُعلن إصابته بفيروس كورونا

GMT 01:21 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

شيري عادل تكشف عن هدايا تلقتها في "عيد الحب"

GMT 04:01 2021 السبت ,02 كانون الثاني / يناير

الطالب المصري حمد الزناتي يفوز بأفضل مشروع تعليمي

GMT 05:30 2020 الجمعة ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

صندوق لـ"تكافل وكرامة" في مصر للتخفيف عن الموازنة

GMT 08:52 2020 الخميس ,22 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الفاكهة في مصر اليوم الخميس 22تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:22 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة العراقية تغلق التعاملات على تراجع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon