توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحل السويدي للحرب الأوكرانية

  مصر اليوم -

الحل السويدي للحرب الأوكرانية

عثمان ميرغني
بقلم - عثمان ميرغني

الحرب الأوكرانية بتشعباتها وتداعياتها، تثير الكثير من الأسئلة. فهذه حرب كان يمكن تفاديها، ومفاتيح الحل للأزمة كانت معروفة، مثلما أن طرق التصعيد كانت واضحة، والمخاطر أيضاً معروفة. هذه لم تكن من نوع الأزمات المفاجئة، بل كانت على الطاولة منذ 14 عاماً تقريباً عندما رحبت دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) في «إعلان بوخارست» بتطلعات أوكرانيا وجورجيا للانضمام للحلف، وهو ما قوبل برفض وتحذيرات من موسكو. منذ ذلك التاريخ كان واضحاً أن روسيا ستذهب إلى أبعد مدى لمنع انضمام أي من هاتين الدولتين للناتو، وعلى الرغم من ذلك لم تحدث خطوات جدية لنزع فتيل الأزمة ومعالجة القلق الروسي من توسع الناتو، بل مضت الأمور في اتجاه حذّر كثيرون من أنه قد ينتهي بكارثة على أوكرانيا وربما على العالم.
المحير أن الحل المطروح الآن لوقف الحرب، هو ذاته الذي كان يمكن أن يمنع وقوعها، وهو أن تكون أوكرانيا دولة محايدة وتتخلى عن السعي للانضمام للحلف. وقد فتح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نافذة أمام هذا الحل عندما أقر هذا الأسبوع بأن «هناك حقيقة يجب الاعتراف بها، وهي أنه لا يوجد طريق لأوكرانيا إلى الناتو».
لماذا تركت الأمور لتصل إلى حد الحرب إذن ما دام الطريق لتفاديها كان معروفاً؟
الرئيس الأوكراني وعدد من السياسيين في بلاده لمّحوا عدة مرات منذ اندلاع الحرب إلى أنهم «ضُللوا» وسمعوا كلاماً كثيراً عن «الباب المفتوح» لعضوية الناتو ليفاجئوا اليوم بأن الأمر ليس كذلك على الأقل في المستقبل المنظور. كذلك ربما وضعوا في حساباتهم أن الغرب سيتدخل لحمايتهم في حال حدوث اجتياح روسي، لا سيما بعد التحذيرات القوية التي كانت تصدر من واشنطن ولندن وعواصم غربية أخرى بأن الرئيس الروسي سيدفع ثمناً باهظاً إذا دفع بقواته إلى أوكرانيا.
الواضح أنه مثلما يقال أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ارتكب خطأ مكلفاً باتخاذه قرار اجتياح جارته، فإن هناك أيضاً من يرى أن كييف أخطأت الحسابات وأسهمت في التأجيج قبل الحرب. وفي هذا الصدد كتب إيان بريمر المحلل السياسي الأميركي ومؤسس المجموعة الأوروبية الآسيوية (يوراسيا) لدراسات المخاطر السياسية العالمية «لديّ رأي متضارب في زيلينسكي. فهو من ناحية شجاع جداً، ولديه قدرة على التواصل وحشد شعبه والمخاطرة الشخصية في كييف أثناء الغزو. لكنني في صراع شديد فيما يتعلق بتقييمه، لأنني أعتقد أن العديد من الخطوات التي اتخذها في الفترة التي سبقت الصراع عززت في الواقع احتمالية نشوب الحرب. فهو لم يكن مستعداً لأخذ نصيحة الأميركيين ولا الأوروبيين على محمل الجد في الأشهر التي سبقت الصراع. وكان بالتأكيد غير راغب في التخلي عن شبر واحد فيما يتعلق برغبة أوكرانيا في أن تكون عضواً في الناتو على الرغم من أنه كان يعلم تماماً أنه لا يوجد أحد في الحلف مستعد لتقديم خطة عمل لعضوية أوكرانيا، ناهيك عن ضمها فعلياً للتحالف».
بغض النظر عن الأسباب التي قادت زيلينسكي لهذه الحسابات الخاطئة وما إذا كانت تعود إلى عدم حنكته السياسية وقلة خبرته، أم إلى عدم قراءته بشكل صحيح للتصريحات الصادرة من الغرب، فإن النتيجة هي أن أوكرانيا تدفع الآن ثمناً باهظاً، وستضطر في النهاية إلى القبول بحلول كانت ستجعلها تتفادى تبعات الحرب لو أنها قبلت بها منذ البداية. الأدهى من ذلك أنها ربما تفقد الآن المزيد من أراضيها في الشرق بعدما اعترفت روسيا بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك ووسعت مناطق سيطرتها في منطقة القرم.
روسيا أيضاً لن تستطيع تحقيق كل أهدافها لا سيما ما يتعلق منها بتغيير النظام، ووضع جارتها الأصغر تحت هيمنتها التامة. فهي أيضاً أخطأت الحسابات عندما اعتقدت أنها يمكن أن تحقق نصراً خاطفاً وتجتاح أوكرانيا في وقت وجيز لأن الغرب لن يتدخل عسكرياً خوفاً من تحول النزاع إلى حرب عالمية نووية.
اتضح منذ الأسبوع الأول للاجتياح أن حسابات النصر السريع لم تكن صحيحة، فأوكرانيا استطاعت بفضل الكميات الكبيرة من الأسلحة المتطورة التي حصلت عليها من الغرب قبل وإبان الحرب، إبطاء زحف القوات الروسية وإلحاق خسائر فادحة بها. فالدول الغربية أرسلت، وفق التقارير التي نشرتها وسائل الإعلام الغربية، أكثر من 17 ألف صاروخ مضاد للدبابات، وأكثر من ألفي صاروخ مضاد للطائرات، وأسلحة متنوعة أخرى إلى أوكرانيا التي حصلت أيضاً على طائرات «درون» مسلحة من تركيا ومصادر أخرى.
وعلى الرغم من أنه ليس هناك من يعتقد أن أوكرانيا يمكن أن تنتصر على الجيش الروسي، إلا أن الدعم العسكري الغربي الكبير يعني رفع كلفة الحرب على موسكو، وتحويلها إلى حرب استنزاف قاسية كلما طال أمد بقاء القوات الروسية. وقد سبق للرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أن أشارا إلى احتمال «حرب طويلة»، وهو سيناريو لن يكون مكلفاً لروسيا وحدها بل للعالم كله، بسبب تعقيدات هذه الحرب وتبعاتها على الاقتصاد العالمي والأمن.
قد يكون هناك من يفكر في حرب استنزاف ترهق روسيا وتضعف بوتين، لكن مثل هذا الأمر يحمل مخاطر عالية في طياته. ذلك أن بوتين يمكن أن يصعّد إذا اشتدت الضغوط عليه، ووقتها يزداد خطر اندلاع حرب عالمية، قابلة لأن تتحول إلى حرب نووية.
ما المخرج إذن؟
الحروب تندلع بالسلاح وتنتهي بالمفاوضات، وأوكرانيا لن تكون استثناء. فالمفاوضات جارية الآن على الرغم من التصعيد على جبهات القتال، وفي الحرب الإعلامية. ومنذ يوم الثلاثاء بدأت تصدر بعض الإشارات على أن المفاوضات تحرز تقدماً، وهو ما أكده الرئيس الأوكراني زيلينسكي مثلما أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
الحل المطروح هو أن تكون أوكرانيا دولة محايدة على غرار السويد أو فنلندا، وتتخلى عن فكرة الانضمام للناتو مقابل حصولها على ضمانات أمنية من الغرب ومن روسيا ذاتها. هذا الحل قد يكون مخرجاً لكل الأطراف، فهو يمهد لوقف الحرب وفتح الباب أمام تسوية الأمور الأخرى، وهي أيضاً ليست سهلة لكنها قابلة للحل إذا أزيلت العقدة الأكبر المتمثلة في عضوية الناتو.
العواصم الغربية لم تكن تستطيع أن ترفض علناً انضمام أوكرانيا لحلف الناتو لأن ذلك يعني أنها رضخت لروسيا، لذلك قالت إن الأمر يعود إلى كييف فهي التي تقرر ما إذا كانت تريد وقف المطالبة بعضوية الناتو. هذا الموقف العلني، لكن في الواقع ظلت مسألة انضمام أوكرانيا للحلف معطلة منذ 14 عاماً إما لأسباب داخلية أوكرانية، أو لحسابات الناتو ومعارضة بعض أعضائه للخطوة التي كان معروفاً أنها ستقود إلى رد روسي قوي.
كييف بعد أن دفعت الثمن الباهظ للحرب ووجدت أن الباب ليس مفتوحاً للدخول في الناتو كما كانت تعتقد، تبدو أكثر قابلية لفكرة الحل الحيادي. التحدي بالنسبة للناتو وروسيا هو أنه إذا قبلت أوكرانيا هذا الحل، لكن في الوقت ذاته قررت السويد وفنلندا التخلي عن الحياد وتحركتا جدياً لطلب عضوية الحلف، هل يواجه العالم وقتها أزمة أخرى؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحل السويدي للحرب الأوكرانية الحل السويدي للحرب الأوكرانية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon