توقيت القاهرة المحلي 22:09:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جنيف تضيف إلى تعقيدات المشهد السوداني!

  مصر اليوم -

جنيف تضيف إلى تعقيدات المشهد السوداني

بقلم: عثمان ميرغني

مفاوضات جنيف التي انطلقت أمس بترتيبات أميركية في الأساس، سوف تضيف إلى تعقيدات المشهد في السودان بعد أن قاطعَها الجيش، إثر فشله في الحصول على التوضيحات والالتزامات التي كان يسعى إليها في اللقاء التشاوري مع الجانب الأميركي في جدة قبل أيام.

خلافاً لما يقوله الذين يتهمون الجيش بالمناورة وعدم الرغبة للانخراط في المفاوضات، فالحقيقة أنه لم يرفض الدعوة لحضور جنيف من حيث المبدأ، لكنَّه حدد المطلوبات التي يراها ضرورية للعودة إلى المفاوضات، ولأجل هذا الغرض بعث بوفد إلى جدة للقاء التشاوري مع الجانب الأميركي، ولو كان حصل على الضمانات وبعض الالتزامات بشأن تنفيذ بنود إعلان جدة، لكان قد ذهب إلى سويسرا وشارك في المفاوضات. لكن الواضح أن أميركا هذه المرة تريد فرض رؤية محددة، وأجندة معينة، وتوسيع دائرة المشاركة رغم التحفظ السوداني، وإدارة المفاوضات بالضغط ولي الذراع، ولذلك نقلتها من جدة إلى جنيف لتكون هي الموجه الأساسي للعملية مثلما نراه حالياً.

هل تمسك الحكومة السودانية بضمان تنفيذ ما اتفق عليه في إعلان جدة موقف خاطئ، أم أن الخطأ هو مساعدة «قوات الدعم السريع» على التملص من التزاماتها، والتجاوز عن كل انتهاكاتها، وعدم تقيدها بأي أعراف أو مبادئ في استهدافها للمواطنين، وسلب ممتلكاتهم، والتعدي على أعراضهم؟

«قوات الدعم السريع» حتى قبل ساعات من إرسال وفدها إلى جنيف، كانت تستهدف بالقصف المستشفيات والأحياء السكنية والمدارس والأسواق، ما يدعم الاتهامات الموجهة لها بأن حربها هي ضد المواطنين الذين كانوا دائماً أولى ضحاياها. وفي هذا القصف المتعمد والمتكرر كانت «قوات الدعم السريع» كثيراً ما تستخدم بيوت المواطنين وأحياءهم المحتلة، كمنصة لعملياتها العسكرية، وهو ما يتناقض مع كل ما قاله قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي) في خطابه «الإعلامي» الموجه بمناسبة مفاوضات جنيف، الذي تحدث فيه كثيراً عن «حماية المدنيين»، بل أعلن عن تشكيل قوة خاصة قال إنها لحماية أرواحهم وممتلكاتهم، وحماية الأعيان المدنية.

الجيش من واقع المعلومات المتوفرة لديه، واطلاعه على الكثير من الجوانب عن تدخلات أطراف خارجية تؤجج الحرب، لا بد أن يكون قد درس موقفه من المفاوضات، وبحث تبعات وتداعيات مقاطعة المفاوضات. شخصياً كنت أتمنى لو أنه ذهب إلى جنيف وقال كلامه الذي قاله للأميركيين في لقاء جدة التشاوري، وشرح موقفه ثم انسحب بعد أن يؤكد أنه مستعد للعودة متى ما تحققت مطالبه المشروعة. هذا كان سيجعله في موقف أفضل دبلوماسياً، ويساعده في إحباط مخططات وتحركات من يريدون عزله، وإعطاء مشروعية دولية لـ«قوات الدعم السريع» من بوابة مشروع المساعدات الإنسانية والممرات الآمنة. فالدبلوماسية يمكن أن تستخدم أيضاً كجزء من الأسلحة المتاحة في أوقات الحروب، لا سيما بالنسبة للحكومة السودانية التي تواجه حرباً معقدة، ومؤامرات خارجية تشارك فيها عدة أطراف.

والحكومة التي خسرت مبكراً الحرب الإعلامية، لا يمكنها أن تغامر بخسارة الحرب الدبلوماسية أيضاً، وهي بالتأكيد حرب لا تقل تعقيداً عن الحرب في الميدان العسكري، وتحتاج إلى قدرة كبيرة على المناورة. الآن بات عليها أن تتحسب لتداعيات الغياب عن جنيف، وتعد خطواتها القادمة جيداً، بالانخراط في حملة دبلوماسية واسعة تجاه الأطراف المؤثرة، بما فيها الراعيان الأساسيان لمنبر جدة، وتترك الباب موارباً أمام إمكانية الانخراط في المفاوضات متى ما توفرت الشروط المناسبة، حتى لا يتم تجاوزها بخطوات تضر بمصلحة البلاد وسيادتها تحت ستار الإغاثة وفتح الممرات الآمنة. فالواضح أن المشهد أعد بعناية بالترويج للمعاناة الإنسانية والحديث عن مجاعة، علماً بأن المتسبب الأساسي في ذلك هو «قوات الدعم السريع» التي شردت المواطنين بالترويع، ودمرت بشكل منهجي المصانع والمنشآت الخدمية والبنية التحتية، ونهبت وأحرقت مخازن الغذاء. وهناك فيديوهات موثقة تصور الاعتداءات على المزارعين ونهب ممتلكاتهم بما فيها التراكتورات، ونهب وحرق المحاصيل والبذور ومختلف المعينات الزراعية.

لو كانت هناك عدالة حقيقية لوقف العالم بشكل صريح وقوي ضد المؤامرة التي تستهدف السودان، والانتهاكات الفظيعة التي يتعرض لها شعبه، ولأدان وعزل الطرف المسؤول عنها، بدلاً من محاولة فرضه كشريك مساوٍ في المفاوضات الآن، وفي المشهد السوداني لاحقاً. لكن العالم للأسف لا يدار بهذه العقلية بل بمنطق القوة والمصالح، وعلى السودانيين بمختلف أطيافهم أن يستوعبوا أن بلدهم يواجه أخطر تحد يمر به في تاريخه الحديث، وأن يدركوا أن المخرج الحقيقي يكمن في أن يبحثوا بأنفسهم عن الحلول لحماية بلدهم من مصير مجهول، بعيداً عن الضغوط والمصالح الخارجية التي لن تكون في صالحهم، والدروس حولنا كثيرة لمن يريد أن يتعلم ويعتبر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جنيف تضيف إلى تعقيدات المشهد السوداني جنيف تضيف إلى تعقيدات المشهد السوداني



GMT 19:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

‫تكريم مصطفى الفقى‬

GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon