توقيت القاهرة المحلي 03:23:43 آخر تحديث
  مصر اليوم -

انتقام ترمب

  مصر اليوم -

انتقام ترمب

بقلم :عثمان ميرغني

تبرئة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في المحاكمة أمام مجلس الشيوخ كانت متوقعة، ليس لأنه بريء، فالأحداث التي قادت لمساءلته كانت على مرأى ومسمع الكل، وإنما لأن الاستقطاب الحزبي على أشده، والانقسام في المجتمع الأميركي بلغ مراحل خطرة. المحاكمة برأت ترمب، لكنها أدانت الحزب الجمهوري الذي وقف بأغلبيته مع الرئيس السابق، وكشفت حجم الورطة مع الظاهرة الترمبية، وأزمة أميركا مع تمدد الشعبوية وصعود اليمين المتطرف والعنصري، وهو ما يثير قلق الكثيرين في أميركا وخارجها.
الجمهوريون الذين لم يجرأوا على إدانة ترمب في الكونغرس لحسابات حزبية سياسية وانتخابية، يأملون في التخلص منه بملاحقات قضائية تأتي من آخرين، وهو ما أشار إليه صراحة زعيمهم في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل في مرافعته بعد التصويت بالبراءة والتي أدان فيها الرئيس السابق واعتبره مسؤولاً عملياً وأخلاقياً عن التأجيج الذي أدى لاقتحام الكونغرس، قائلاً إن بعض الناس قد يلاحقونه أمام المحاكم. لكن آمال قادة الجمهوريين ربما لا تتحقق بهذه السهولة، فمشكلتهم ليست ترمب في شخصه، بل في الترمبية كظاهرة ستقض مضاجع الحزب وتقلق أميركا ربما لفترة طويلة قادمة. ترمب في كل الأحوال سيبقى بعبعاً لحزبه لأنه لا يعتزم مغادرة الساحة، ويخطط لعودته، وربما للانتقام ممن يرى أنهم خذلوه أو «تآمروا» ضده.
الطلقة الأولى في المعركة القادمة جاءت أول من أمس في الهجوم العنيف الذي شنه الرئيس السابق على ماكونيل واصفاً إياه بالسياسي الفاشل وداعياً إلى عزله من قيادة الحزب في مجلس الشيوخ. ففي بيان غاضب على طريقته أشار ترمب إلى ماكونيل بـ«الضعيف والمتجهم»، وتعهد بمساندة منافسيه الذين يريدون الترشح ضده لقيادة الحزب في مجلس الشيوخ قائلاً إن الحزب «لن يستطيع أن يكون محترماً وقوياً مع قادة مثل ماكونيل». ولم يتوقف عند هذا الحد بل وسع حدود المعركة، ملمحاً إلى أنه ينوي البقاء في قيادة الحزب وتوظيف قاعدته الشعبية لدعم المرشحين الذين سيؤيدون أجندته ويساندون شعار حركته «أميركا أولاً».
هنا المشكلة بالنسبة لقيادات الجمهوريين. فترمب ما زال يتمتع بتأييد نحو 70 من الناخبين الجمهوريين وفقاً لاستطلاعات الرأي، ما يعطيه ورقة قوية يضغط بها على الحزب ونوابه في الكونغرس، لا سيما الذين سيواجهون انتخابات العام المقبل. خوف السياسيين الجمهوريين من الظاهرة الترمبية كان واضحاً في الطريقة التي صوتوا بها في الكونغرس ضد إدانته. فغالبية نواب الحزب في مجلسي النواب والشيوخ اصطفوا خلفه ليس لأنهم يحبونه ويؤيدونه بالضرورة، بل لأنهم يرون أن الوقوف ضده ربما يقضي على فرصهم الانتخابية وينهي حياتهم السياسية مثلما حدث لبعض الذين عارضوه وسقطوا في الانتخابات الماضية. بل إن عدداً منهم عبروا عن مخاوف على حياتهم من بعض المنتمين للقاعدة المتطرفة وسط مؤيدي الرئيس السابق الذين تعج مواقعهم الإنترنتية برسائل الكراهية والتحريض ضد من يرونهم مشاركين في «التآمر» على ترمب. لذا فإن المجموعة المحدودة من الجمهوريين الذين صوتوا ضده في مجلس النواب أو في مجلس الشيوخ، تحلوا بشجاعة فائقة، وقدموا المبادئ على كل حسابات أخرى، وعرّوا قيادات حزبهم التي آثرت عدم المواجهة وقدمت الحسابات والمصالح الحزبية على المصلحة الأكبر في توجيه رسالة قوية بعد الاعتداء الصارخ على عقر الديمقراطية.
قادة الجمهوريين يرهنون آمالهم الآن على القضايا التي قد ترفع ضد ترمب في المحاكم سواء بتهم ضريبية في نيويورك، أو نتيجة للتحقيقات التي تجرى حول محاولته التأثير على العملية الانتخابية، مثل التحقيق الذي فتح في جورجيا ومحوره المكالمة المسجلة التي حاول فيها ترمب إقناع أكبر مسؤول انتخابي في جورجيا بتغيير نتيجة التصويت في انتخابات الرئاسة بالولاية والعثور على 12 ألف بطاقة اقتراع لصالحه تقلب النتيجة ضد بايدن. هناك أيضاً التحقيق الذي أعلنت عنه رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي لكي تنظر لجنة خاصة مستقلة في أحداث اقتحام الكونغرس، وقد ينتهي إلى إدانة الرئيس السابق وتحميله المسؤولية في التأجيج الذي قاد للاقتحام.
لكن ترمب سيبقى مشكلة سواء أدين في أي من هذه التحقيقات والقضايا، أو نجح في الإفلات منها. فهو عازم على لعب دور والبقاء في الساحة، وقد أعلن عزمه على الترشح للرئاسة في 2024، وقيل إنه يدرس أيضاً العودة بقناة تلفزيونية، وربما يفكر في تأسيس حزب جديد. وحتى إذا أدين في أي من التحقيقات والقضايا المتوقعة، فإنه ربما يأمل أن يبقى مؤثراً في الساحة بشكل أو بآخر مثل رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق سليفيو برلسكوني الذي يشبهه في كثير من الجوانب الشخصية، ونجح في مواصلة دور سياسي على الرغم من الفضائح والقضايا التي حكم عليه فيها بالسجن.
بغض النظر عما سيحدث للرئيس السابق خلال الأشهر المقبلة، فإن الظاهرة الترمبية ستبقى تؤرق الجمهوريين وأميركا. فالحركة الشعبوية والمتطرفة التي التفت حوله لم تكن من اختراعه، بل وجدت فيه صوتاً قوياً يعبر عن رفضها للمؤسسات السياسية والنخب السياسية في واشنطن، مثلما وجد آخرون في الريف الأميركي وفي «حزام الصدأ» تعبيراً عن غضبهم الدفين في شعاراته مثل «أميركا أولاً» و«بناء الجدار» لوقف الهجرة. هؤلاء سيبقون مطرقة ترمب ضد خصومه، وحتى إن غاب عن الساحة بالسجن أو العزل السياسي، فإنهم سينتظرون «بطلا شعبوياً آخر» يرفع لهم شعار «تجفيف المستنقع» في واشنطن. والحزب الجمهوري فيه شخصيات تطمح لتوظيف القاعدة الترمبية لمصلحتها، وبعضهم قد يكون أذكى وأخطر من الرئيس السابق في إدارة معاركه السياسية.
الأمر الآخر أنه يوجد وسط الحركة الترمبية تيار من القوميين البيض المتطرفين والعنصريين، وآخرين من الشعبويين السذج المستعدين لحمل السلاح وتصعيد العنف إلى درجات خطيرة. وليس بعيداً عن الأذهان مثال تيموثي ماكفي الذي فجر مبنى اتحادياً في أوكلاهوما عام 1995 في إطار ما رآه حرباً ضد الحكومة الفيدرالية التي أراد المساهمة في تقويضها. فبعض الذين شاركوا في اقتحام مبنى الكونغرس الشهر الماضي يحملون الفكر ذاته ضد المؤسسة السياسية ومنهم من لديه ميل لاستخدام العنف المسلح.
في خضم أحداث اقتحام الكونغرس في السادس من يناير (كانون الثاني) الماضي، مر حدث لم ينتبه له كثيرون؛ إذ طغت عليه صدمة مناظر الغوغاء الذين عاثوا فساداً في مبنى الكابيتول. فقد عثرت الشرطة على قنبلتين أنبوبيتين عشية الأحداث وضعت إحداهما قرب مبنى يضم مكتب اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، والثانية قرب مكتب اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي. وبما أن المبنيين ليسا بعيدين عن الكونغرس، فقد ربطت الشرطة الفيدرالية بين الواقعة ومخطط اقتحام الكونغرس الذي لم يكن عشوائياً بالتأكيد.
المتطرفون في رأي كثيرين ربما وجدوا في اقتحام الكونغرس ما يجعلهم أكثر جسارة في تحدي السلطات، ما يجعل مخاطر العنف ترتفع مع الاستقطاب السياسي الحاد في واشنطن، والانقسام المجتمعي المتزايد في أميركا. هذه المخاوف كانت حاضرة في تصريح الرئيس جو بايدن عقب نتيجة التصويت بتبرئة ترمب، إذ خلص إلى أن«هذا الفصل الحزين في تاريخنا يذكرنا أن الديمقراطية هشة»، مشدداً على أنه لا مكان للعنف والتطرف في الولايات المتحدة.
أحداث اقتحام الكونغرس تنبئ بأن هناك أوقاتاً صعبة قادمة، والظاهرة الترمبية ستكون امتحاناً كبيراً لا للحزب الجمهوري فحسب، بل لأميركا كلها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتقام ترمب انتقام ترمب



GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

GMT 22:47 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حرب القرن

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 03:53 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ترامب يرد على منتقديه في تجمع انتخابي بولاية جورجيا
  مصر اليوم - ترامب يرد على منتقديه في تجمع انتخابي بولاية جورجيا

GMT 04:30 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

قائمة الفائزين بـ"جوائز الكرة الذهبية" 2024
  مصر اليوم - قائمة الفائزين بـجوائز الكرة الذهبية 2024

GMT 19:22 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة
  مصر اليوم - أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة

GMT 19:05 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية
  مصر اليوم - حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية

GMT 10:37 2021 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

تعرف على من هو أحمد مناع أمين مجلس النواب 2021

GMT 06:45 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

أبرز فوائد فيتامين " أ " على صحة الجسم والمناعة

GMT 09:47 2020 الثلاثاء ,03 آذار/ مارس

عبد المهدي يتخلى عن معظم مهامه الرسمية

GMT 04:22 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ريم مصطفى تؤكد أن مسلسل "شديد الخطورة" تجربة مختلفة

GMT 07:44 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

سامي مغاوري يتحدى ابنه في "واحد من الناس" مع عمرو الليثي

GMT 21:05 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

مصرية تطلب الخلع من زوجها وتتفاجئ من رد فعله

GMT 18:29 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل شخص وإصابة اثنين فى حادث تصادم بالدقهلية

GMT 19:21 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

بوسى برفقة حلا شيحة فى أغرب إطلالة لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon