توقيت القاهرة المحلي 15:04:25 آخر تحديث
  مصر اليوم -

متغيرات في قراءة المشهد السوداني

  مصر اليوم -

متغيرات في قراءة المشهد السوداني

بقلم: عثمان ميرغني

فاجأ السفير البريطاني السابق لدى السودان سير ويليام باتي الكثيرين في برنامج حواري مع إذاعة «إل بي سي» في لندن قبل أيام عندما شن هجوماً كاسحاً على قوات الدعم السريع، مشيراً إلى الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها من قتل واغتصاب وجرائم حرب، ما جعله يقول إنها يجب أن تُهزم وإلا واجه السودان مصيراً قاتماً. ودعا السفير المجتمع الدولي لاتخاذ موقف صريح واختيار طرف للوقوف معه، قائلاً: «أعتقد أنه يجب علينا الانحياز للجيش السوداني» لتحقيق شكل من الاستقرار في السودان بالمرحلة الأولى، وبعدها ننتقل لموضوع الحكم المدني.

السفير باتي لم يكن يعبر بالطبع عن موقف رسمي للحكومة البريطانية، بل كان يتحدث بصفته الشخصية ودرايته بالأوضاع من واقع خبرته، لكن رأيه هذا ليس صوتاً معزولاً، بل ربما يعكس تغيراً بدأ يطرأ على مواقف أطراف عديدة بعد 19 شهراً على الحرب تكشفت خلالها الانتهاكات الفظيعة التي يقوم بها مسلحو الدعم السريع حيثما حلوا، لترسخ الصورة التي تحدث عنها السفير باتي.

الحكومة البريطانية ذاتها عدلت في صياغة مشروعها الأول الذي روجته، بلا نجاح، الأسبوع الماضي في مجلس الأمن لإصدار قرار بإرسال قوات أفريقية، بقبعات زرق «دولية»، وتحت لافتة حماية المدنيين. ففي مشروع قرارها الجديد الذي قدمته منتصف هذا الأسبوع لمجلس الأمن، أدخلت، بعد المشاورات، تعديلات كثيرة في الصياغة واستهلته بإدانة قوية للانتهاكات والممارسات والفظائع التي ترتكبها قوات الدعم السريع بما في ذلك القتل بدوافع عرقية، والعنف الجنسي، وتدمير ونهب سبل العيش والمنازل مثلما حدث في ولايات الخرطوم ودارفور والجزيرة.

المبعوث الأميركي توم بيريلو الذي زار بورتسودان أخيراً، والتقى الفريق عبد الفتاح البرهان بصفته «رئيس مجلس السيادة» كما ورد في بيان الخارجية الأميركية، بدأ يتحدث بلهجة مختلفة. فبعدما كان متحمساً لفكرة نشر قوات أفريقية - دولية، تبنى طرحاً جديداً في لقاءاته مع المسؤولين الحكوميين، وقال إنه بحث معهم اقتراحاً يدور حول فتح ممرات آمنة وفترات تهدئة ووقف قصير «محلي» للقتال لضمان انسياب المساعدات الإنسانية.

وبيريلو لا شك سمع خلال لقاءاته في بورتسودان موقفاً واضحاً فيما يتعلق بشروط الحكومة للمفاوضات ووقف النار، وهو الموقف الذي كررته كثيراً وجدده الفريق البرهان في خطاب أول من أمس بشر فيه الناس بأن الموازين ستتبدل «وأن هذه الحرب إلى نهاياتها وسيفرح الشعب السوداني بانتصار قريب». وعن الحوار قال إنه لن تكون هناك عودة إلى طاولة المفاوضات أو وقف لإطلاق النار، إلا بعد خروج الميليشيا من منازل المواطنين ومن كل المناطق وفك حصار الفاشر وتجميعهم (قوات الدعم السريع) في مناطق محددة.

في مواجهة التطورات في الواقع الميداني، وتنامي الانتهاكات والجرائم التي تستهدف المواطنين، لا سيما بعد أحداث ولاية الجزيرة والهجمات على القرى الآمنة وترويع وتشريد أهلها، باتت حدة الإدانات لممارسات قوات الدعم السريع ملحوظة في بيانات الخارجية الأميركية، وتصريحات مسؤولين في الاتحاد الأوروبي وفي دول أخرى، مثلما برزت إشارات إلى الجيش بعدّه من المؤسسات التي تقوم عليها الدولة، ولا يمكن التعامل معها بشكل متساوٍ مع «الدعم السريع». ألمانيا على سبيل المثال لهذه المواقف أعلنت قبل يومين على لسان القائم بأعمال سفارتها لدى السودان، أنها لا تسوي بين الجيش والدعم السريع بسبب الدمار الذي سببته الميليشيا للبلاد، وما ارتكبته من فظائع وانتهاكات ضد المدنيين، مطالباً بمحاسبتها.

هل يعني كل ذلك أن فكرة إرسال قوات أفريقية دفنت بشكل نهائي؟

مرحلياً قد تتوقف هذه المساعي، لا سيما بعد حق النقض (الفيتو) الذي استخدمته روسيا في مجلس الأمن هذا الأسبوع، وبالنظر إلى تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي شدد على أن الظروف غير ملائمة لنشر قوات، لعدم وجود اتفاق لوقف النار، إضافة إلى الرفض القاطع من الحكومة السودانية للفكرة، فالموقف الأفريقي ذاته ليس موحداً، إذ إن هناك دولاً عدة لا تؤيد الفكرة التي قطع محمد بن شمباس رئيس الآلية الأفريقية لحل الأزمة السودانية باستحالتها، مشيراً إلى أنه يمكن إنهاء الأزمة بالتفاوض.

مع ذلك، فإن السياسة تبقى دائماً مرهونة بالتطورات وبحسابات المصالح، لذلك قد تعود بعض الأطراف لطرح الفكرة إذا استمرت وتيرة الانتهاكات الواسعة. لكن هذا لن يحدث بشكل سريع لأن عجلة القرار في العواصم العالمية الفاعلة سوف تتباطأ مع موسم عطلات الميلاد ونهاية السنة، وفي انتظار تسلم إدارة ترمب الجديدة مهامها في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل.

التركيز في الوقت الراهن سينتقل إلى مسألة بحث آليات لتسهيل انسياب المساعدات الإنسانية، بما في ذلك فترات تهدئة ووقف قصير «محلي» للقتال مثلما قال المبعوث الأميركي الخاص. أما مسألة المفاوضات فتبقى مرهونة بما سيحدث على الأرض، وما إذا كانت الحرب «إلى نهاياتها» كما قال البرهان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

متغيرات في قراءة المشهد السوداني متغيرات في قراءة المشهد السوداني



GMT 10:03 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مش معقول.. ستة دنانير فطور صحن الحمص!

GMT 09:32 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

«آخر الكلام»

GMT 09:31 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّما المَرءُ حديثٌ بعدَه

GMT 09:30 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

وقف النار في الجنوب اللبناني وما بعد!

GMT 09:29 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

سفينة العراق والبحث عن جبل الجودي

GMT 09:27 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا: المفاجأة الكبرى أمام ترمب

GMT 09:26 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثلث نساء العالم ضحايا عنف

GMT 09:24 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أوكرانيا...اليوم التالي بعد الألف

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon