توقيت القاهرة المحلي 10:50:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الخبز والغضب... من تونس إلى السودان

  مصر اليوم -

الخبز والغضب من تونس إلى السودان

بقلم - عثمان ميرغني

أحسب أن الصدفة وليس التخطيط، هي التي جعلت المظاهرات الاحتجاجية في تونس والسودان تتوافق مع ذكرى أحداث الربيع العربي. فالمظاهرات في البلدين ارتبطت بإجازة ميزانيتين ألقتا بعبء كبير على المواطن المطحون أصلاً بأوضاع اقتصادية ومعيشية أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها صعبة وضاغطة. الظروف كانت مهيأة بالتأكيد لانفجار الغضب والاحتجاجات، وإجازة الميزانيات كانت الشرارة التي حددت التوقيت، ولو أنها حدثت في أي توقيت آخر، فإن رد الفعل لم يكن سيختلف بغض النظر عن تزامنه أو اختلافه مع ذكرى تلك الأيام الشتوية التي أطلق عليها مجازاً «الربيع العربي»، وأثارت ما أثارت من جدل لم ينقطع بسبب ما أطلقته من أحلام وآمال، وما انتهت إليه من إحباطات وآلام.

الحكومة التونسية التي جاءت نتيجة لذلك الربيع سارعت إلى الاعتراف بأن الوضع الاقتصادي صعب، وأعلنت حزمة من الإجراءات والبرامج الاجتماعية لمساعدة ذوي الدخل المحدود والمعوزين، وتخفيف الضغوط الناجمة عن إجراءات الميزانية الجديدة. أما الحكومة السودانية التي عاندت الربيع وقمعته في مختلف مراحله معلنة أنها محصنة ضده، فإنها واجهت المظاهرات التي خرجت خلال الأيام الماضية ومنذ إعلان ميزانية عام 2018 بالهراوات والاعتقالات والغازات المسيلة للدموع، معلنة أنه لا تراجع عن الميزانية ولن تغير فيها سطراً واحداً. الفارق هنا أن تونس تعلمت من تجربتها أن تقول للشعب «فهمناكم»، وأدركت أنه في حين يمكن للناس انتقاد الربيع العربي في النتائج التي انتهى إليها خصوصاً بعد تجارب سوريا وليبيا واليمن، لكن لا يمكن انتقاده في الأسباب التي قادت إليه، سواء فيما يتعلق بالضغوط المعيشية والاقتصادية، أو الحقوق والكرامة الإنسانية. فالإصلاح لا يتحقق بمواجهة الشعب، بل بالاستماع إليه، والعمل على تلبية حاجاته وتحقيق طموحاته، وفوق كل ذلك صون كرامته.

لهذا السبب اختار الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ألا يحتفل بالذكرى السابعة للثورة التونسية في قصر قرطاج، بل توجه إلى أحد الأحياء الشعبية في العاصمة التي شهدت احتجاجات واسعة منذ إعلان الحكومة لميزانية 2018، ليعلن من هناك عن «صندوق الكرامة» لمساعدة العائلات الفقيرة، وليؤكد الإجراءات والبرامج التي ستنفذ لمساعدة ذوي الدخل المحدود والمعوزين والعاطلين عن العمل. وبدا معتذراً لشعبه عن محدودية هذه الإجراءات في مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة قائلاً إن تونس لا تملك إمكانيات كبيرة، «ويجب أن نعرف كيف نستثمر هذه الإمكانيات المتواضعة ونوزعها بعدل».

في السودان يبدو الوضع أصعب بكثير، والأزمة مرشحة إلى تفاقم، لكن الحكومة اختارت حتى الآن على الأقل مواجهة الغضب الشعبي بسياسة العصا الغليظة، ومحاولة البحث عن جهات تلقي عليها المسؤولية أو تصرف بها أنظار الناس عن المشكلات المزمنة، والأوضاع المتردية على أكثر من صعيد. فبعدما قالت الحكومة إنها تسمح بحرية التعبير السلمي للمواطنين، والتظاهر السلمي وفقاً للدستور، إلا أنه سرعان ما غلب الطبع على التطبع، فلجأت إلى القمع والتنكيل والاعتقال في مواجهة المتظاهرين الذين رددوا شعارات «سلمية... سلمية»، و«لا... لا للغلاء»، و«حرية... سلام وعدالة». إضافة إلى ذلك سعت الحكومة إلى إلقاء اللوم على «السماسرة» واعتبرتهم مسؤولين عن ارتفاع الأسعار، متوعدة بإنزال عقوبات رادعة عليهم.
هذه سياسة لا تريد أن ترى الأمور على حقيقتها، ولا أن تسمع الشارع ومطالبه. فالأزمة وإن فجرتها الميزانية الجديدة بإجراءاتها التي زادت الأعباء المعيشية على كاهل المواطنين المرهقين أصلاً من تبعات أعوام من السياسات الخاطئة، إلا أنها كانت تتفاعل منذ سنوات، وأدت قبل ذلك إلى تفجر الغضب والمظاهرات مثلما حدث في احتجاجات سبتمبر (أيلول) 2013 التي قتل فيها العشرات (الحكومة وضعت العدد عند 80 قتيلاً، بينما منظمات المجتمع المدني قدرتهم بمائتين)، أو في الاحتجاجات التالية المتقطعة التي كان آخرها العام الماضي.
الأوضاع السياسية لم تشهد اختراقات حقيقية رغم شعارات وجلسات الحوار، بينما الحروب والتوترات مستمرة على عدة جبهات وإن تراجعت حدتها، أما الاقتصاد فقد شكل الفشل الأكبر، إذ

شهد تردياً مريعاً، بينما تفاقمت المعاناة على الناس الذين كانوا يرون تضخماً في الحكومة (80 وزيراً ووزير دولة إضافة إلى مساعدي الرئيس) وتراجعاً في الأداء. حتى «الطفرة» النفطية القصيرة لم تخرج الاقتصاد من أزمته بعدما بددت في الإنفاق البذخي والصرف العسكري والأمني، ليقضي الفساد الذي استشرى على ما تبقى، قبل أن يذهب الجنوب مع غالبية النفط في انفصال عام 2011. كانت تلك فرصة حقيقية لمعالجة مشكلات هيكلية في الاقتصاد السوداني، وتنفيذ سياسات إنتاجية حقيقية وإنقاذ مشاريع زراعية كبرى، لكنها ضيعت، وعاد السودان ليبحث عن المنح والهبات والقروض لمواجهة العجز المتزايد في ميزانياته، وتسكين الأزمة الاقتصادية بحلول تؤدي في الواقع إلى تفاقمها.

المظاهرات في تونس والسودان تفجرت بسبب الميزانية والأزمة الاقتصادية، لكن المعالجة في البلدين تبدو مختلفة، كما النتائج، وأحسب أن الأزمة في السودان أعمق وتهديدها أكبر.

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنيه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخبز والغضب من تونس إلى السودان الخبز والغضب من تونس إلى السودان



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 04:54 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة
  مصر اليوم - الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة

GMT 10:32 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها
  مصر اليوم - ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 23:04 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

رونالدو يحرز الهدف الأول لليوفي في الدقيقة 13 ضد برشلونة

GMT 06:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تتأهل إلى نهائيات "أمم أفريقيا" رغم التعادل مع تنزانيا

GMT 05:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

موضة ألوان ديكورات المنازل لخريف وشتاء 2021

GMT 09:41 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسن يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة أسوان

GMT 03:51 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية للمناورة ”ردع - 2020”

GMT 04:56 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

فنادق تعكس جمال سيدني الأسترالية اكتشفها بنفسك

GMT 23:44 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين

GMT 11:46 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

جوارديولا يهنئ ليفربول بـ كأس الدوري الإنجليزي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon