توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الوجه القبيح لحرب السودان

  مصر اليوم -

الوجه القبيح لحرب السودان

بقلم: عثمان ميرغني

على مر التاريخ، كانت الحروب دائماً أرضاً خصبة للفظائع والأعمال الوحشية والقسوة التي تنتهك قوانين الحرب والخلق الإنساني السوي، وهي ممارسات لا يمكن تبريرها بأي شكل، بل تتوجب إدانتها والمحاسبة عليها.

السودانيون الذين عانوا في الحرب الراهنة صنوفاً من الجرائم والانتهاكات التي نُسب أكثرها إلى «قوات الدعم السريع»، صدموا عندما نُشر قبل أيام مقطع فيديو لمسلحين نسبوا أنفسهم إلى الجيش وهم يعرضون بفرح رأسين مقطوعين لشخصين قالوا إنهما ينتميان لـ«الدعم السريع». وقوبل هذا الفعل الشائن بإدانة واسعة مستحقة، ودعوات للمحاسبة.

الجيش سارع إلى إصدار بيان واصفاً محتوى الفيديو بالصادم ومعلناً أنه سيجري تحقيقاً في الأمر وسيحاسب المتورطين إذا أثبتت نتائج التحقيق أنهم يتبعون لقواته. وأكد تقيد القوات المسلحة التام «بقوانين وأعراف الحرب وقواعد السلوك أثناء العمليات الحربية».

من جانبها وصفت «قوات الدعم السريع» العمل بأنه «سلوك إجرامي متطرف» متهمة من وصفتهم بـ«ميليشيا البرهان وكتائب النظام البائد». ومضت إلى القول إن الجريمة «حدثت على أساس عرقي وجهوي»، وهي لغة التأجيج التي استخدمتها جهات أخرى أيضاً سعت لتوظيف الجريمة نحو أبعاد عرقية وقبلية لا يحتاجها البلد في هذه الظروف العصيبة، ولا في أي وقت.

حجم التضارب في الروايات والتفسيرات بشأن مقطع الفيديو يجعل من الضروري إجراء تحقيق جدي وعاجل، ويتطلب من الجميع انتظار النتائج وعدم استغلال هذه الجريمة للتأجيج غير محسوب العواقب.

من أمثلة هذا التضارب ما قيل في البداية عن أن الجريمة ضحيتها شابان، وهو ما ورد في بيان الجيش، لكن «الدعم السريع» في بيانه تحدث عن ثلاثة أشخاص. وعلى الرغم من أن الأشخاص الذين ظهروا في الفيديو المتداول ونسبوا أنفسهم إلى الجيش، تحدثوا على أساس أن الرأسين المبتورين لعنصرين من «الدعم السريع»، فإن جهات أخرى من بينها «الدعم السريع» ذاته نفوا ذلك وقالوا إن القتيلين مواطنان بريئان كانا في طريق العودة إلى مناطقهما عبر مدينة الأبيض حيث اعتقلا وفقاً «لقانون الوجوه الغريبة» بمعنى أنهما غريبان، في حين أن البعض يفسر ذلك على أنه يعني استهداف من يشتبه في أنهم من حواضن اجتماعية في إقليم دارفور تساند «الدعم السريع».

آخرون ألقوا ظلالاً من الشك على الكلام المتداول بشأن هوية القتيلين وقالوا إنهما من قرية في جنوب منطقة الجزيرة وسط السودان، وإنهما كانا عائدين من النيجر ومعهما بعض الذهب عندما استوقفهما مسلحون قالوا إنهم من «الدعم السريع» ونهبوا ما كان بحوزتهما قبل قتلهما والتمثيل بجثتيهما.

وعلى الرغم من أن هوية القتيلين ومنفذي الجريمة تبقى مجهولة، على الأقل بشكل رسمي حتى اللحظة، فإننا رأينا من يشطح في الكلام والتأويل فينسب الضحيتين إلى مكون قبلي معين من دون علمه حتى باسميهما، بينما ذهب آخرون إلى القول إن مرتكبي الجريمة من الكيزان و«كتائب الظل» التابعة لهم من دون أن يوضحوا كيف توصلوا إلى تحديد انتمائهم الحزبي.

الواضح أن الموضوع بات يستخدم في إطار تصفيات الحسابات بين الخصوم في ساحة مشدودة باستقطابات زادت حدتها مع اندلاع الحرب التي قسّمت السودانيين بشكل غير مسبوق، وفرقتهم بين مؤيد للجيش باعتباره المؤسسة الوطنية والمهنية التي لا بد من الالتفاف حولها في هذه الظروف، والمعادين له الذين يدمغونه بـ«جيش الكيزان والفلول». وفي ظل هذه الاستقطابات لا يفوت معارضو الجيش فرصة لانتقاده والتقليل من شأن أي انتصارات يحققها.

الخطورة أن الذين سارعوا لتوظيف الفيديو لبث تأويلات من دون توثق أو تبصر، ولم يروا فيه إلا وسيلة وفرصة لتصعيد هجومهم على الجيش، لم يدروا، أو أن بعضهم ربما كان يدري، أنهم يساهمون في التأجيج وصب المزيد من الزيت على نار الحرب. فها هي بعض المجموعات تستخدم المقطع لا للتأجيج ضد الجيش فحسب، بل ضد أهل الشمال بدوافع عنصرية وقبلية ويستدعون زمرة خارجية من مجموعات قبلية من خارج السودان «للانتقام».

من مصلحة الجيش إجراء تحقيق جاد في الجريمة وإعلان النتائج في أسرع وقت، ومحاسبة منفذيها إن كانوا من منسوبيه. فالحرب ستنتهي وستبقى آثارها التي ستحتاج إلى معالجات لفترة طويلة، ومن المهم للجيش أن يثبت حرصه على قوانينه ولوائحه، وتمسكه بالتقاليد الراسخة والقيم السودانية الأصيلة. وهو كمؤسسة سيحتاج إلى ممارسة أقصى درجات الانضباط في فترة الحرب وما بعدها، لأنه سيحتاج إلى هذا الانضباط في فترة إعادة التأهيل وإدماج قوات الحركات المسلحة، أو أي مجموعات أخرى غير نظامية قاتلت إلى جانبه في هذه الظروف.

التحقيق إذا برأ ساحة الجيش ومنسوبيه فهو سيصب في صالحه للرد على الحملة الممنهجة ضده، وحتى إذا ثبت تورط أفراد منه في هذا العمل الشائن فإن إعلان نتيجة التحقيق سيؤكد مصداقيته وجديته في التصدي لأي تفلتات. هناك جيوش كثيرة واجهت تفلتات من بعض جنودها إبان فترات الحروب بما في ذلك الجيش الأميركي، وأحداث سجن أبو غريب أحد النماذج، وكذلك الجيش البريطاني وما واجه بعض جنوده من اتهامات بارتكاب تجاوزات في مدينة البصرة. وهناك أمثلة أخرى أكثر من أن تحصى في مقال، لكن ما كان يفرق بينها هو مدى جدية الحكومات والجيوش في التصدي لها، بالتحقيقات الجدية، والمحاسبة لمن يثبت تورطهم.

هناك أيضاً فرق بين التفلتات الفردية والسلوكيات الممنهجة، وهو ما يميز بين الجيوش النظامية المنضبطة التي تعمل وفقاً للوائح وقوانين، والميليشيات والحركات المسلحة التي تقاتل بلا عقيدة وبلا مبدأ أو ضوابط. وفي حالة الجيوش النظامية فإنه على الرغم من أن الغالبية العظمى من الجنود يكونون ملتزمين بضوابط الحرب، فإن التصرفات المنفلتة للبعض قد تشوه سمعة الجيش بأكمله. من هنا يتوجب الحرص على المساءلة والمحاسبة، وهو المطلوب من الجيش السوداني.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوجه القبيح لحرب السودان الوجه القبيح لحرب السودان



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon