توقيت القاهرة المحلي 10:17:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ثلاثة أسئلة بعد تحور «كورونا»

  مصر اليوم -

ثلاثة أسئلة بعد تحور «كورونا»

بقلم :عثمان ميرغني

قلق مزدوج من فيروس «كورونا» المتحور، ومفاوضات «بريكست» المتعثرة، جعلا المزاج العام في بريطانيا قاتماً على أعتاب السنة الجديدة. الفيروس الذي طغى على كل ما عداه من أحداث منذ بداية العام يأبى إلا أن يسيطر على المشهد في خواتيمه. فمنذ أن أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يوم السبت الماضي أن فيروس «كورونا» تحور بشكل جعله ينتشر أسرع في لندن وعدد من المناطق، بما يستدعي فرض إجراءات وقيود جديدة صارمة، تسارعت القرارات من عدد من الدول بحظر الرحلات الجوية مع بريطانيا، وسادت حالة من الهلع عالمياً بشكل أعاد الأجواء إلى ما يشبه بداية انتشار المرض من ووهان في الصين.

هل كل هذا الهلع مبرر؟

من الطبيعي أن تتخذ الحكومات إجراءات لمنع زيادة حالات العدوى؛ لكن عدداً من العلماء من بينهم أنتوني فاوتشي كبير الاختصاصيين الأميركيين في مجال الأمراض المعدية، دعوا إلى عدم المبالغة في ردود الفعل على هذا التحور في الفيروس، مع تشديدهم على أهمية الاحترازات واتباع إجراءات الحيطة السارية منذ انتشار «كورونا». ذلك أن التحورات في الفيروسات تحدث باستمرار، وقد رصدت عدة تحورات في فيروس «كورونا» المستجد خلال الأشهر الماضية في عدد من الدول، من الصين إلى إسبانيا، ومن أستراليا إلى إيطاليا؛ لكنها لم تكن باعثة على مثل هذا القلق. فما دامت هذه التغيرات هي في جزئيات من سلوك الفيروس وليست في تركيبته بما يجعله أشد فتكاً أو أكثر صعوبة في الرصد، وما دامت اللقاحات التي طورت تبقى فاعلة ضده، فإن السيطرة عليه ممكنة.

مثلما أصبح معروفاً، فإن التحور الذي حدث في الفيروس ورُصد في بريطانيا بشكل أساسي وفي جنوب أفريقيا ثم في هولندا والدنمارك وأستراليا، يتعلق بالتغيير في أحد جزئيات بروتين الأشواك التي يلتصق بها الفيروس مع مستقبلات الخلايا البشرية. ونتيجة لهذا التحور أصبحت عدوى الانتشار أسرع بنسبة تصل إلى 70 في المائة تقريباً. لكن العلماء ما زالوا يدرسون المعلومات لتحديد ما إذا كان كل الارتفاع الذي حدث سببه التحور في الفيروس، أم أنه مرتبط أيضاً بسلوك الناس وعدم التزامهم بإجراءات الحيطة والتباعد؛ لا سيما مع الازدحام الذي لوحظ في الشوارع والمحلات التجارية ووسائل المواصلات العامة في لندن، خلال الفترة التي تسبق احتفالات الميلاد. فهناك كثيرون بدأوا يتراخون في الالتزام بتعليمات التباعد ولبس الكمامة، إما لأنهم ملوا من طول فترة القيود، وإما لأنهم من الشباب الذين يرون أن تأثير الفيروس عليهم أقل، وإما لأنهم اعتبروا أن أخبار اللقاحات بمثابة رخصة للتساهل.

ربما أن انتشار السلالة الجديدة المتحورة من الفيروس فيه درس لتذكير الناس بأهمية الالتزام بإجراءات الوقاية المعروفة، وعدم التهاون والتراخي. فالمعركة مع «كورونا» لا تزال طويلة، والطريق فيه مطبات بلا شك؛ لا سيما مع قدرة الفيروس على التحور بطرق مختلفة؛ لكن الخطر الأكبر يبقى في سلوك الناس، وتجاهل كثيرين منهم للبس الكمامات والتباعد الآمن وغسل اليدين، وغيرها من إجراءات الحيطة.

اللقاحات، مع أنها مبشرة؛ لكنها لا تعني تلقائياً أن الحياة ستعود إلى ما كانت عليه عام 2019؛ بل علينا أن نتأقلم مع «المألوف الجديد» من حيث تغيير بعض السلوكيات والعادات، والتكيف مع أنماط جديدة في العمل والحياة الاجتماعية. صحيح أن اللقاحات حسبما أشارت إليه نتائج تجاربها ستعطي المتلقي مناعة؛ لكن ليس معروفاً حتى الآن كم ستستمر هذه المناعة، أو ما إذا كان الشخص الذي تلقى الجرعة سيبقى ناقلاً للعدوى حتى وإن لم يصب هو بها. كذلك فإنه سيمضي وقت طويل قبل أن تصبح اللقاحات متوفرة لكل الناس بما يوفر المناعة الواسعة المطلوبة لكبح جماح الفيروس بحيث يُقضى عليه تدريجياً، أو يصبح تحت السيطرة ويمكن التعايش معه، مثل فيروسات أخرى كالسارس ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس) أو الإنفلونزا. فالعلماء ينصحون الناس الذين بدأوا في تلقي اللقاح بأن يستمروا في لبس الكمامات، والتباعد الآمن، وغيرها من إجراءات الحيطة الأخرى خلال الفترة المقبلة، وحتى يكتمل تطعيم ما لا يقل عن 70 في المائة من السكان، وهي النسبة التي تصل فيها المجتمعات إلى ما تسمى «مناعة القطيع».

وينبه العلماء إلى أن اللقاحات الحالية فعالة بنسبة 95 في المائة، ما يعني أن نسبة 5 في المائة لن تكون فعالة معهم، وهو رقم كبير لو حسبناه من مجموع سكان البلد، أو لو نظرنا إليه على المستوى العالمي. الرسالة هي أنه حتى نصل إلى نسبة 70 في المائة من التطعيم للسكان في أي بلد، فإن إتباع إجراءات الحيطة يبقى مطلوباً، لكي تكون هناك فرصة حقيقية في السيطرة على هذا الفيروس، والقضاء عليه، أو على الأقل احتوائه.

هناك 3 أسئلة شكلت محور قلق الناس خلال الأيام القليلة الماضية، وهي: أولاً، ما إذا كان الفيروس المتحور أشد فتكاً من سابقه، وهو ما رد عليه العلماء والمختصون بالقول إنه لا يوجد ما يدل على أن السلالة الجديدة تجعل المرض أشد، أو تسبب مضاعفات أكثر خطورة على الحياة من سابقتها. خطورة الفيروس المتحور حتى الآن هي في أنه ينتشر بشكل أسرع، وبالتالي يرفع نسبة الإصابات مثلما حدث في بريطانيا خلال الأيام الماضية. ومن بواعث القلق أيضاً ما أعلنه العلماء البريطانيون من أن السلالة الجديدة أكثر قدرة على إصابة الأطفال من سابقتها، ما يعني أيضاً توسيع دائرة العدوى؛ لأن الأطفال يختلطون في المدارس، وبالتالي يصبحون ناقلين للعدوى إلى أهاليهم.

السؤال الثاني الذي طرح بشكل واسع يتعلق بما إذا كان الفيروس المتحور سيبطل مفعول اللقاحات الجديدة، بأن يكون قادراً على تجاوز المناعة التي توفرها. الإجابة التي جاءت من عدد مقدر من العلماء، ومن منظمة الصحة العالمية، هي أنه ليس هناك ما يشير إلى أن اللقاحات لن تكون فعالة مع النسخة المتحورة. وقال سير باتريك فالانس، كبير المستشارين العلميين للحكومة البريطانية، إنه من المعلومات المتوفرة حتى الآن لا يبدو أن السلالة الجديدة تغير استجابة اللقاح بما يجعله أقل فاعلية. وفي هذا الصدد قالت الشركات المصنعة إن لقاحاتها اختُبرت على عدد من سلالات الفيروس المنتشرة، وبالتالي فإنه يتوقع أن تكون فاعلة مع النسخة الجديدة من الفيروس. وفي كل الأحوال فإن هذه الشركات ستجري تجارب على الفيروس المتحور الجديد خلال الأيام المقبلة، لمزيد من التأكد بشأن فعالية اللقاحات ضدها.

ثالث الأسئلة التي أثيرت كان: هل الفيروس بعد تحوره أصبح غير مرئي لنظام الفحص الحالي؟ العلماء نفوا ذلك، وأكدوا أن الفحوصات المتبعة الآن قادرة على التعرف على الفيروس والمصابين به، ما يجعل السيطرة على انتشاره ممكنة إذا التزم الناس بالتعليمات وإجراءات التباعد، ولبس الكمامة، وأي توجيهات أخرى تصدرها السلطات.

النقطة الأخيرة المهمة هي أن هذا الفيروس يعطينا درساً في كل مرة، وهو أنه لا يمكن لأي بلد أن ينكفئ على نفسه ويزعم أنه بذلك سيقضي على الفيروس. التعاون العالمي هو الذي سيمكِّن البشرية من السيطرة على الجائحة، وكبح جماح الفيروس الذي غيَّر حياتنا وهز الاقتصاد العالمي بشكل غير مسبوق. وربما تحفز الجائحة الحكومات والمنظمات الدولية للتداعي لتشكيل هيئة دولية تضم علماء وخبراء تكون مختصة فقط بدراسة ورصد الفيروسات؛ لأنها تبقى أحد أكبر المخاطر على البشرية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثلاثة أسئلة بعد تحور «كورونا» ثلاثة أسئلة بعد تحور «كورونا»



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon