توقيت القاهرة المحلي 03:23:43 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حرب اللقاح الباردة

  مصر اليوم -

حرب اللقاح الباردة

بقلم :عثمان ميرغني

هل لقاح «أكسفورد - أسترازينيكا» خطر؟
كلام كثير أثير حول هذا الموضوع، بعدما أعلنت بعض الدول، ومعظمها في أوروبا، تعليق استخدام اللقاح في إطار «مبدأ الوقاية»، عقب إصابة عدد محدود من الناس بجلطات بعد تطعيمهم. الخطوة قوبلت بانتقادات من علماء وخبراء، قالوا إنها تحدث ضرراً ببرامج التطعيم، وتثير مخاوف الناس، في حين أنه لا توجد بيانات كافية أو دلائل قاطعة تربط اللقاح بالجلطات وتبرر تعليق استخدامه. وانضمت منظمة الصحة العالمية إلى العلماء والأطباء والخبراء الداعين إلى عدم وقف عمليات التطعيم بلقاح «أكسفورد - أسترازينيكا»، مشددين على أن فوائد استخدامه في تقليل الإصابات والوفيات بـ«كوفيد 19» أكبر بكثير من عدم أخذه.
البيانات التي قدمتها «أكسفورد - أسترازينيكا» تظهر حدوث أقل من 40 حالة جلطة دموية من بين 17 مليون شخص تلقوا المصل في بريطانيا وأوروبا، وهو أقل بكثير مما يمكن أن يحدث بشكل طبيعي في عدد سكان بهذا الحجم، حتى لو لم يتلقوا أي لقاح. كما أشار بيان أصدرته شركة أسترازينيكا إلى أن نسبة الجلطات بين متلقي لقاحها لا تزيد على نسبة الجلطات بين متلقي لقاحات «كوفيد 19» الأخرى المرخصة. هذا الرأي دعمه خبراء مستقلون رأوا أن رد الفعل الأوروبي مبالغ فيه، وتترتب عليه نتائج ضررها أكثر من نفعها، نظراً لحاجة أوروبا لتطعيم سكانها لمواجهة موجة ثالثة من الجائحة. وأشار بعض هؤلاء إلى أن مخاطر الإصابة مثلاً بجلطة نتيجة تناول النساء حبوب منع الحمل قد تكون أعلى من مخاطر تلقي لقاحات «كوفيد 19»، لكنها تبقى مخاطر ضئيلة، ولم تثر ضجة أو تدفع إلى قرارات بوقف أو تعليق استخدامها.
أوروبا ذاتها بدت منقسمة حول اللقاح البريطاني الذي أشعل حرباً باردة بين لندن وشركائها السابقين في الاتحاد الأوروبي. فبينما قررت دول مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والسويد والدنمارك تعليق استخدام اللقاح، واصلت دول أخرى استخدامه. حتى الإعلام الأوروبي تبنى قسم منه موقفاً ناقداً لخطوة تعليق استخدام اللقاح، في وقت تبدو فيه القارة العجوز متأخرة عن بريطانيا وأميركا ودول أخرى في تطعيم سكانها، وتواجه مشكلات في تأمين احتياجاتها.
الإجماع الطبي حول العالم هو أنه بسبب أن كل لقاحات «كوفيد 19» الموجودة في السوق حالياً تم تطويرها وإقرارها بسرعة قياسية، فإنه ستكون هناك دائماً معلومات جديدة حول آثارها الجانبية، مع تطعيم مئات الملايين حول العالم بها، لكن هذا لا يلغي حقيقة أن اللقاحات تظل هي الركن الأساسي في مواجهة تفشي الجائحة ومنع ظهور فيروسات متحورة جديدة. حتى وكالة الدواء الأوروبية قالت إنها «مقتنعة تماماً» أن فوائد لقاح «أكسفورد - أسترازينيكا» تفوق أي مخاطر محتملة منه، لكن لطمأنة الرأي العام الأوروبي قالت الهيئة إنها ستجري تحقيقاً حول الحالات المعزولة لجلطات الدم التي «تشكل مصدر قلق، وتحتاج إلى تقييم علمي جاد ومفصل»، وستعلن استنتاجاتها اليوم (الخميس). ومن المتوقع أن تخلص الهيئة إلى أن المصل آمن، وفوائد استخدامه أكبر بكثير من أي أضرار محتملة، وأنه لا يوجد تفسير بيولوجي قوي لعلاقة المصل بحدوث جلطة دموية.
وكالة الدواء الأوروبية ليست جهة سياسية ولا تخضع للضغوط التي يتعرض لها السياسيون نتيجة التغطية الإعلامية الواسعة لحالات الوفاة المعزولة، أو بسبب الانتقادات الواسعة التي وجّهت لهم بالبطء في توزيع اللقاح وتطعيم الناس، مقارنة مع بريطانيا أو أميركا. وكان عدد من المسؤولين الأوروبيين شككوا منذ البداية في لقاح «أكسفورد - أسترازينيكا» بسبب السرعة التي أقرته به هيئة الدواء البريطانية، وكان على رأس هؤلاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي قال إن اللقاح غير مفيد لمن هم فوق 65 عاماً، ليظهر لاحقاً أن الأرقام لا تدعم كلامه.
لكن تصريحات ماكرون وغيره من قادة أوروبا أثارت مخاوف المواطنين الأوروبيين، ما أدى إلى تباطؤ في استخدام لقاح «أكسفورد - أسترازينيكا». وحالياً لدى ألمانيا وفرنسا كميات من اللقاح قد تنتهي صلاحيتها من دون استخدامها. وعلى الرغم من أن ماكرون ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي مهّدا الأرضية للنكوص عن تجميد استخدام لقاح «أكسفورد - أسترازينيكا» بإعلانهما في بيان مشترك قبل يومين أنهما اتفقا على استئناف التطعيم «بسرعة» إذا أعطت وكالة الأدوية الأوروبية الضوء الأخضر للقاح، فإن الضرر قد حدث بالفعل في صورة أوروبا حول العالم بسبب الطريقة التي أدارت بها برنامج التطعيم ضد الجائحة منذ البداية.
المعالجة الأوروبية البطيئة والمتذبذبة لموضوع اللقاحات أدت إلى انتقادات واسعة في الإعلام الأوروبي للحكومات ولمفوضية الاتحاد الأوروبي. كذلك تداخلت عوامل السياسة وما بعد «البريكست» لتزيد من التوتر بين الاتحاد الأوروبي ولندن في موضوع اللقاحات، خاصة بعدما أحرج تحرك الحكومة البريطانية السريع العواصم الأوروبية. مسؤولو الحكومة البريطانية بدوا وكأنهم يستخدمون تحركهم السريع للتصديق على اللقاحات وتأمين إمداداتها للتدليل على صواب قرار «البريكست». فالحكومات الأوروبية تركت موضوع اللقاحات للمفوضية الأوروبية التي تحركت ببطء بيروقراطي شديد، ما جعل أوروبا تتأخر في خطوات التصديق على اللقاحات والعقود لتأمين إمداداتها.
اللافت أن دول الاتحاد الأوروبي ركزت انتقاداتها على شريكتها السابقة بريطانيا مع أن أميركا استحوذت على كميات هائلة من اللقاحات التي أنتجتها الشركات الأميركية. كذلك وجّه المسؤولون الأوروبيون سهامهم بشكل خاص نحو شركة أسترازينيكا التي اتهموها بالتقصير في تسليم الكميات المتعاقد عليها وبمحاباة بريطانيا. أضف إلى ذلك أن السرعة التي تحركت بها بريطانيا للتصديق على اللقاحات فُسرت في أوروبا على أنها تهور محفوف بالمخاطر، لكن في لندن كان المنطق أننا نعيش تحدياً غير مسبوق يستلزم معالجة غير مسبوقة.
وحتى الآن أثبتت التطورات أن النهج البريطاني كان الأفضل. فهذه أوقات غير عادية. ومع أن مبدأ الوقاية في مسألة اللقاحات لا خلاف حوله، لكن التقاعس عن اتخاذ القرارات قد يكون أكثر تكلفة. وفي ميزان الاحتمالات، تظل فوائد اللقاح أكبر بكثير من ضرره. من هنا فإن أوروبا على الرغم من انتقاداتها لبريطانيا، تبدو في سباق مع الزمن لاستئناف برنامجها لتطعيم مواطنيها. فالتباطؤ ستترتب عليه نتائج صحية واقتصادية كارثية لأوروبا والعالم، وهو ما دعا منظمة الصحة العالمية لإطلاق مناشدة لدول العالم لكي لا توقف برامج التطعيم، باعتبارها الأمل الوحيد للسيطرة على الجائحة.
عالمياً، تلقى نحو 395 مليون شخص لقاحات ضد «كوفيد 19» في 128 دولة، بينهم نحو 112 مليون شخص في أميركا. هذه الأرقام تبقى ضئيلة بالنظر إلى تعداد سكان العالم، وبالنظر إلى أن العلماء يقولون إنه لتكوين مستوى من المناعة يسمح بالعودة للحياة الطبيعية لا بد من تطعيم ما بين 70 في المائة إلى 85 في المائة من السكان. وبالوتيرة الحالية، سيستغرق الأمر سنوات لتحقيق مستوى مقبول من المناعة العالمية، وهو ما جعل خبراء الصحة في عدد من الدول يحذرون من أن الجلبة الحالية في أوروبا حول اللقاحات قد تؤدي إلى انهيار استراتيجية اللقاح بكاملها، إذا انهارت ثقة الجمهور بها. فأخذ اللقاح تطوعي، وما لم يطعم غالبية سكان العالم لن يتحقق المستوى المطلوب من المناعة، وسنظل ندور في حلقة مفرغة، تصعب معها السيطرة على الجائحة وعودة الحياة إلى طبيعتها بشكل تدريجي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرب اللقاح الباردة حرب اللقاح الباردة



GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

GMT 22:47 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حرب القرن

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 03:53 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ترامب يرد على منتقديه في تجمع انتخابي بولاية جورجيا
  مصر اليوم - ترامب يرد على منتقديه في تجمع انتخابي بولاية جورجيا

GMT 04:30 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

قائمة الفائزين بـ"جوائز الكرة الذهبية" 2024
  مصر اليوم - قائمة الفائزين بـجوائز الكرة الذهبية 2024

GMT 19:22 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة
  مصر اليوم - أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة

GMT 19:05 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية
  مصر اليوم - حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية

GMT 10:37 2021 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

تعرف على من هو أحمد مناع أمين مجلس النواب 2021

GMT 06:45 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

أبرز فوائد فيتامين " أ " على صحة الجسم والمناعة

GMT 09:47 2020 الثلاثاء ,03 آذار/ مارس

عبد المهدي يتخلى عن معظم مهامه الرسمية

GMT 04:22 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ريم مصطفى تؤكد أن مسلسل "شديد الخطورة" تجربة مختلفة

GMT 07:44 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

سامي مغاوري يتحدى ابنه في "واحد من الناس" مع عمرو الليثي

GMT 21:05 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

مصرية تطلب الخلع من زوجها وتتفاجئ من رد فعله

GMT 18:29 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل شخص وإصابة اثنين فى حادث تصادم بالدقهلية

GMT 19:21 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

بوسى برفقة حلا شيحة فى أغرب إطلالة لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon