توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

في انتظار الطعنة الأخيرة

  مصر اليوم -

في انتظار الطعنة الأخيرة

بقلم - عثمان ميرغني

في معترك السياسة البريطانية، ليس بالضرورة أن تقضي على الخصم من الطعنة الأولى، بل قد تراه يتلقى الطعنات ويضعف تدريجياً قبل أن يتهاوى. حدث هذا كثيراً في معارك أسقطت رؤوساً كبيرة، وأطاحت قيادات داخل الأحزاب أو في الحكومة. وربما كان حزب المحافظين هو الأبرز في هذا المضمار، إذ يقال عنه إنه لا يحتمل رئيس وزراء مثخناً بالجراح يصبح عبئاً عليه وعلى فرصه الانتخابية، لذا يوصف بأنه من أنجح الأحزاب وربما أكثرها قسوة في التعامل مع قياداته. فسجل الحزب حافل برؤساء الوزراء من صفوفه الذين أُسقطوا بعدما تلقوا عدة طعنات أضعفتهم، قبل أن تأتيهم الضربة القاضية التي تجبرهم على التنحي من قيادة الحزب والحكومة، لإفساح الطريق أمام طامح آخر على أمل أن ينقذ الحزب انتخابياً.
رئيس الوزراء وزعيم المحافظين الحالي بوريس جونسون يبدو مرشحاً لأن يكون التالي في قائمة الذين يواجهون هذا المصير. فعلى الرغم من أنه قاد الحزب في نهاية عام 2019 لأكبر فوز انتخابي منذ عقود، فإنه واجه يوم الاثنين الماضي تصويتاً على الثقة بزعامته داخل حزبه بعدما قدم أكثر من 15 في المائة من نوابه خطابات بسحب الثقة منه مما حتم إجراء تصويت يشارك فيه كل النواب المحافظين في مجلس العموم، وفق لوائح الحزب.
فاز جونسون في اقتراع النواب بأغلبية 211 صوتاً مقابل 148. وهو ما يجعله يتجنب التنحي من قيادة الحزب ورئاسة الوزراء في الوقت الراهن. لكن النتيجة تركته جريحاً ومعرضاً لمواجهة تمرد أكبر داخل حزبه لا سيما مع جبل المشكلات المتراكمة وعجز الحكومة عن تقديم حلول ترضي غالبية البريطانيين الغاضبين من أداء رئيس الوزراء، والمطحونين بالضغوط المعيشية. وخلال الأشهر المقبلة سيكون جونسون مثل يوليوس قيصر في لحظاته الأخيرة، مثخناً بالجراح ولا يعرف من أين ستأتي الطعنة القاتلة.
لكن ليس هناك من يتوقع أنه سيكون مستعداً للتخلي عن المنصب بسهولة، فهو سيقاتل وسيراوغ ويناور، وهذا طبعه مثلما أن رئاسة الحكومة هي الحلم الذي راوده طويلاً ولا يريد أن يستيقظ منه مهما كان حجم الكوابيس. لذلك كان ظهوره في البرلمان أمس، وهو الأول منذ معركة الثقة، حافلاً بلهجة التحدي ولغة الإصرار على التشبث بالمنصب. حاول تبرير التمرد داخل حزبه بأنه ناجم عن قيام حكومته بتنفيذ سياسات صعبة ومثيرة للجدل، ملمحاً بذلك إلى ملف «بريكست»، في تكتيك الغرض منه رفض الاعتراف بأن المشكلة الراهنة تتعلق بأدائه وبشخصيته ونهج قيادته، وفقدانه المصداقية أمام غالبية الناخبين وكثير من النواب الذين يرون أنه كذب عليهم في تفسيراته للحفلات التي حضرها في مقر رئاسة الحكومة في «داونينغ ستريت» في الوقت الذي كان البريطانيون ملزمين باتباع قواعد الإغلاق الصارمة ومنع التجمعات في ذروة جائحة «كورونا».
جونسون فقد ثقة غالبية الناخبين الذين يريدون منه الاستقالة كما تقول استطلاعات الرأي. وفقد ثقة نسبة 41 في المائة من نوابه في مجلس العموم، وهي نسبة خسارة أعلى مما لحق بثلاثة من رؤساء الوزراء المحافظين السابقين تعرضوا لتصويت حزبي على الثقة هم: مارغريت ثاتشر وجون ميجر وأخيراً تيريزا ماي. المقلق لجونسون أن هؤلاء السلف فازوا مثله بنتيجة التصويت على الثقة، بل بنسب أفضل منه، لكنهم جميعاً خرجوا من معركة الثقة بجراح تسببت في أفولهم السياسي والاستقالة المحتومة.
جونسون لو ترشح اليوم في دائرته فربما يخسرها إذا حكمنا بالغضب الشديد وسط قواعد حزبه، وبين غالبية البريطانيين وفقاً لاستطلاعات الرأي. كثيرون يقولون إن هذه بداية النهاية للرجل، وإن السؤال الآن ليس ما إذا كان سيذهب، بل متى. هذا التوقيت قد لا يكون بعيداً، فجونسون سيواجه امتحاناً آخر قريباً عندما تجرى انتخابات فرعية هذا الشهر لشغل مقعدين برلمانيين شغرا في الآونة الأخيرة بسبب فضائح أخلاقية، أحدهما بعد إدانة نائب محافظ بالتحرش الجنسي، والآخر بعد استقالة نائب محافظ آخر لأنه كان يشاهد مقاطع فيديو جنسية داخل قاعة مجلس العموم. وإذا خسر حزب المحافظين الدائرتين مثلما هو متوقع، فإن ذلك سيشكل لطمة قوية لجونسون قد تدفع بالمزيد من النواب وأعضاء الحزب للمطالبة باستقالته.
كذلك سيواجه جونسون المزيد من الضغوط عندما تبدأ لجنة الامتيازات في البرلمان تحقيقها بشأن ما إذا كان قد ضلل البرلمان وكذب عمداً بشأن الحفلات التي نُظمت في مقر رئاسة الحكومة إبان جائحة «كورونا».
وإذا لم تجبر الضغوط رئيس الوزراء على الاستقالة من هنا وحتى سبتمبر (أيلول) المقبل، موعد المؤتمرات السنوية للأحزاب، فإنه قد يواجه تحدياً مباشراً من خصومه الذين قد ينتهزون الفرصة للضغط من أجل تنحيته لا سيما إذا استمرت شعبيته في التردي.
صحيح أن لوائح حزب المحافظين تنص على أنه في مأمن من تصويت آخر على الثقة لفترة عام واحد، لكنّ هذا لا يمنع أن تتصاعد الضغوط عليه لإجباره على الاستقالة قبل ذلك مثلما حدث مع ثاتشر وتيريزا ماي. أضف إلى ذلك أن هناك نداءات من بعض النافذين في الحزب لتغيير اللوائح بحيث تسمح بتصويت آخر على الثقة برئيس الوزراء في وقت أقرب وليس بالضرورة بعد عام من الآن.
في هذا الصدد كان لافتاً التصريح الصادر من رئيس سابق لحزب المحافظين هو ويليام هيغ الذي قال عقب إعلان نتيجة التصويت على الثقة مساء الاثنين إن رئاسة جونسون للحكومة لم تعد «قابلة للحياة» وإنه يجب أن يفكر في التنحي لتوفير بداية جديدة للحزب. كذلك كتب بول غودمان محرر موقع «كونسيرفاتيف هوم» الإخباري الموالي لحزب المحافظين أنه من الأفضل لجونسون أن يذهب الآن طائعاً وغير مهزوم في صندوق الاقتراع بدلاً من أن يجبَر على الخروج.
أما صحيفة «الغارديان» فقد خصصت افتتاحية لاذعة للموضوع نادت فيها بذهاب جونسون قائلة إن «البلد بحاجة إلى قيادة جديدة، قيادة قادرة على إنتاج السياسات، وليس مجرد اللعب في المسرح»، قبل أن تضيف أن جونسون «لم يكن مناسباً أبداً لشغل منصب رئيس الوزراء، ولم يكن قادراً على مواجهة الخيارات الصعبة. يجب أن يقود بريطانيا شخص قادر».
الأمور لن تكون سهلة لجونسون، فالشعب غاضب، والأزمة الاقتصادية طاحنة، والنواب المتمردون عليه يخططون «لإضرابات» عن التصويت في البرلمان لعرقلة برامجه وإحباط أجندته التشريعية مثلما حدث مع تيريزا ماي في أواخر عهدها عندما لجأ نواب حزبها الذين عارضوها وأرادوا إطاحتها إلى شل حكومتها بالغياب عن الجلسات والامتناع عن التصويت على بعض التشريعات المهمة.

لا أحد يعرف متى تأتي الطعنة القاتلة، لكنّ مرثيات جونسون بدأت تُكتب.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في انتظار الطعنة الأخيرة في انتظار الطعنة الأخيرة



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري

GMT 18:33 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميا خليفة تحضر إلى لبنان في زيارة خاصة

GMT 14:47 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

الحضري على رأس قائمة النجوم لمواجهة الزمالك

GMT 11:13 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

ما وراء كواليس عرض "دولتشي آند غابانا" في نيويورك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon