توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أخطر مرحلة في السودان!

  مصر اليوم -

أخطر مرحلة في السودان

بقلم - عثمان ميرغني

ليس من قبيل المبالغة القول إن السودان يمر بأسوأ وأخطر مرحلة في تاريخه الحديث. مرحلة تزداد فيها مخاطر الانقسامات والتشرذم، وينتشر فيها خطاب الكراهية والعنصرية والعنف، وترتفع فيها الأصوات التي تحاول اختطاف البلد، وتنهب الموارد تحت تهديد السلاح، أو تلوّح بالحرب والخراب.
في هذا الشهر الذي يوافق الذكرى الثانية لتوقيع اتفاقية جوبا للسلام، والذكرى الأولى للإجراءات العسكرية التي أطاحت الحكومة المدنية بقيادة الدكتور عبد الله حمدوك، يشعر الناس بالقلق على مصير السودان في ظل ظروف ضاغطة سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وحالة من الاستقطاب الشديد. فاتفاقية السلام لم تحقق السلام؛ بل وسعت دائرة المشكلات، وخلقت بؤراً جديدة للخلافات والمنازعات، مثلما أن الانقلاب العسكري زاد الأمور سوءاً، وقضى على فرص كانت تلوح في الأفق لانتشال السودان من وهدته، وإصلاح أوضاعه الاقتصادية.
هل كان هناك رابط بين الحدثين اللذين قلبا الأمور رأساً على عقب، وعرقلا طريق الثورة؟
عندما وقعت اتفاقية السلام في جوبا، لم يدُر في خلد أحد أنها ستكون خطوة في سكة الانقلاب وإطاحة الحكومة المدنية. لكن هذا هو الذي حدث بالضبط في غضون عام واحد، حفل بالأحداث والانتكاسات. ويبقى السؤال: هل كان الأمر مخططاً له منذ البداية، أم أنه كان نتاج الظروف المتقلبة، والحسابات المتغيرة في مناورات السلطة؟
الاتفاقية منذ توقيعها خلطت الأوراق في الساحة لصالح المكون العسكري في السلطة، أي لصالح المجلس العسكري وقوات الدعم السريع، في وقت كان هذا المكون يواجه ضغوطاً شديدة من قوى الثورة التي ترفع شعارات ومطالب تمثل تهديداً مباشراً لبعض أطرافه. شعارات مثل مدنية السلطة، والمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن مجزرة فض الاعتصام، إضافة إلى بحث وضع شركات واستثمارات الجيش، وهو الموضوع الذي أثارته أيضاً حكومة حمدوك ودعت لتصحيحه. في مواجهة قوى الثورة المدنية برز تحالف مصالح بين المكون العسكري وأطراف اتفاقية جوبا، مدعوماً من بقاياً النظام السابق، عمل لتقويض الحكومة وتهيئة الأجواء لإجراءات 25 أكتوبر (تشرين الأول) العسكرية، أو الانقلاب العسكري كما تسميها المعارضة.
كثيرون يتساءلون حتى اليوم عن الطريقة التي جرت بها مفاوضات اتفاقية جوبا، وعن أجندات خفية، وعن اتفاقيات «فوق الطاولة وتحت الطاولة» عقدت مثلما كشف عنه لاحقاً في لحظة تجلٍّ من أحد أطرافها، وهو مني أركو مناوي الذي أصبح حاكماً لإقليم دارفور، بمقتضى محاصصات السلطة التي تمت. فقد أفصح الرجل عن جانب من الاتفاقات «تحت الطاولة» التي كان هدفها إطالة أمد بقاء المكون العسكري في السلطة، والسكوت عن أحداث فض الاعتصام، ووقف أو تعطيل القضايا والاتهامات الموجهة في المحكمة الجنائية الدولية ضد قيادات في النظام السابق. المؤكد أن هناك تفاصيل واتفاقات أخرى لم تتكشف كلها؛ لكن المحصلة أن اتفاقية السلام هيأت لـ«الانقلاب» الذي حدث لاحقاً وأطاح حكومة حمدوك.
كان لافتاً منذ البداية كيف سُمِح للحركات المسلحة بإدخال قوات إلى الخرطوم باتت تستخدم ورقة للضغط السياسي، وأدت إلى تدهور أمني مريع في العاصمة. فوفقاً للاتفاقية يفترض أن تكون ترتيباتها الأمنية مسؤولية المكون العسكري الذي كان يجب أن يباشر فيها خلال 60 يوماً من التوقيع. لكن الذي حدث هو أن الطرف العسكري لم يقم بأي تحرك لتنفيذ هذا البند الذي يُعد من الناحية العسكرية والأمنية من أهم البنود؛ لأنه كان يفترض أن يقود إلى حل ميليشيات الحركات المسلحة ودمجها في القوات النظامية، وفق عملية تراعي التأهيل المطلوب، ولا تخل بهيكلية وانضباط الجيش. هذا التلكؤ في تنفيذ الترتيبات الأمنية ترك البلاد مرتعاً للميليشيات، وأدى إلى حالة من التسيب الأمني الخطير شهدتها البلاد، والخرطوم على وجه الخصوص، بعد اتفاقية السلام.
الأمر الآخر الذي أثار الانتباه وفاجأ غالبية السودانيين، هو ذلك العدد الكبير من الممثلين الذين شاركوا في التوقيع على الاتفاقية، وكان ذلك أول مؤشر على أن اتفاقية جوبا مهدت لتوسيع دائرة المشكلات، عندما ضمت مناطق لم تكن فيها نزاعات مسلحة ولا ميليشيات، مثل مناطق الوسط والشمال وإلى حد ما الشرق. فالاتفاقية ابتدعت مسارات لهذه المناطق، وجاءت بشخصيات لتمثيلها بعضهم لا وزن له، وبعضهم مختلف عليه، وجميعهم لا يملكون تفويضاً لتمثيل تلك المناطق التي وقَّعوا باسمها، وجنوا المغانم والمكاسب على حسابها وحساب الشعب كله.
الواقع أن اتفاقية جوبا لم تمهد لإجراءات 25 أكتوبر العسكرية فحسب؛ بل خلطت الأوضاع وعقَّدت المشهد السوداني بشكل ربما تجاوز حسابات من أرادوها ورقة في لعبة الهيمنة على السلطة وضرب قوى الثورة. فالمكون العسكري الذي سيطر على السلطة مع الحركات المسلحة الموقعة على سلام جوبا، عجز عن تشكيل حكومة حتى اللحظة، وفشل في تحقيق أي معالجات للوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي، بعد توقف كل برامج الدعم الدولي التي حصلت عليها حكومة حمدوك، وغالبية الناس انقلبوا على اتفاقية السلام بعدما تعرت كل عيوبها، وتكشفت مخاطرها.
الحسابات الخاطئة تقود إلى نتائج خاطئة، وهكذا فإن الذين رسموا المخططات للانفراد بكعكة السلطة، باتوا يبحثون اليوم عن مخرج. المشكلة أنهم بمناوراتهم للانقضاض على السلطة، نسفوا فكرة الشراكة بين العسكريين والمدنيين لحكم البلد في الفترة الانتقالية التي طالت وتعقدت بسبب إجراءات أكتوبر. كذلك فإنهم بالطريقة التي تعاملوا بها مع اتفاقية السلام، خلقوا أزمة خطيرة للسودان لن يكون حلها سهلاً.
هناك تحركات جارية وكلام كثير عن تسوية قريبة لتشكيل حكومة مدنية، وترتيب صيغة جديدة للمكون العسكري من خلال مجلس أعلى للقوات المسلحة. صيغة كهذه لن تكون حلاً للأزمة في تقديري؛ بل خطوة أخرى في طريق المماحكات والمناورات التي قادت البلد إلى الوضع الحرج الذي يعيشه اليوم. فليس خافياً على الناس ظهور عدد من قيادات النظام السابق في المشهد، وهو ما يثير الشكوك حول ما يحاك خلف الكواليس. فالمكون العسكري لن يغادر المشهد من دون ضمانات، وبقاؤه في السلطة تحت أي مسمى سيكون شوكة في خاصرة أي ترتيبات جديدة.
في الجانب المقابل، فإن قوى الثورة المدنية لا تزال تكرر أخطاءها، وأكبرها الفشل في توحيد صفوفها، والاتفاق على رؤية مشتركة، بينما تقترب الثورة من إكمال أربع سنوات من مسيرتها، وتزداد الضغوط على الناس. وإذا استمرت الأمور على هذه الحال، فإن قوى الثورة قد تفاجأ في وقت غير بعيد بتطورات تضفي مزيداً من التعقيد على المشهد، وربما تزيد من المخاطر المحدقة بالبلد.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أخطر مرحلة في السودان أخطر مرحلة في السودان



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري

GMT 18:33 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميا خليفة تحضر إلى لبنان في زيارة خاصة

GMT 14:47 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

الحضري على رأس قائمة النجوم لمواجهة الزمالك

GMT 11:13 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

ما وراء كواليس عرض "دولتشي آند غابانا" في نيويورك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon