توقيت القاهرة المحلي 13:09:15 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السمنة... الخطر الزاحف

  مصر اليوم -

السمنة الخطر الزاحف

بقلم - عثمان ميرغني

تعدُّ زيادة الوزن والسمنة واحدة من أكثر المشكلات الصحية شيوعاً حول العالم، والأرقام في زيادة متواصلة. اليوم هناك أكثر من ملياري إنسان حول العالم يصنفون أنهم يعانون من زيادة الوزن أو السمنة. ويتوقع المختصون أنه بحلول عام 2030 سيكون نصف سكان العالم، أي نحو 4 مليارات إنسان، يعانون من هذه المشكلة إذا لم تتخذ خطوات وإجراءات لمعالجتها، بكل ما يعنيه ذلك على صعيد صحتهم، وما يسببه من ضغوط على أنظمة الرعاية الصحية، وبالتالي على اقتصاديات الدول.
تقرير صدر هذا الأسبوع عن اتحاد السمنة العالمي سلط الضوء على حجم المشكلة عالمياً، إذ تضاعف معدل انتشار السمنة ثلاث مرات تقريبا منذ عام 1975 وحتى اليوم. الأمر المثير للانتباه أن معظم الدول العربية تواجه هذه المشكلة، بل إن هناك 11 دولة عربية جاءت في الترتيب متقدمة حتى على دول مثل الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا.
وحسب بيانات مرصد السمنة العالمي حلَّت الكويت في المركز الأول عربياً والـ15 في الترتيب العالمي من حيث معدلات السمنة للرجال، تليها قطر والسعودية والأردن والإمارات، ثم لبنان وفلسطين والبحرين وليبيا والعراق وسلطنة عمان ومصر.
هذه الصورة تتغير بشكل طفيف عندما يتعلَّق الأمر بمعدلات السمنة عند النساء، إذ بينما تبقى الكويت وقطر والأردن في مراكزها المتقدمة في الترتيب، تتراجع الأرقام بالنسبة للسعودية ومصر والإمارات.
الدول العربية القليلة التي تبقى فيها معدلات السمنة متدنية هي اليمن وموريتانيا والسودان وجيبوتي والصومال. وعالمياً تأتي دول آسيوية في ترتيب متأخر في القائمة، وأمثلة على ذلك؛ فيتنام واليابان وكوريا الجنوبية وكمبوديا وبنغلاديش والهند.
في المقابل يعاني أكثر من نصف البالغين في أوروبا من زيادة الوزن أو السمنة، بحسب التقرير الإقليمي للسمنة لعام 2022، الصادر عن منظمة الصحة العالمية الأسبوع الماضي. أما في أميركا فإن ثلاثة من كل أربعة أشخاص يعانون من السمنة أو الوزن الزائد.
وللتوضيح؛ فإن هذه التقارير تعتمد تعريف منظمة الصحة العالمية للوزن الزائد والسمنة بأنهما تراكم غير طبيعي أو مفرط للدهون يمثل خطرا على الصحة. ويعتبر مؤشر كتلة الجسم فوق 25 زائد الوزن، وأكثر من 30 يعتبر في عداد السمنة. ويتم حساب مؤشر كتلة الجسم بقسمة وزن الشخص البالغ بالكيلوغرام على طوله بالمتر المربع.
الانطباع الذي كان سائدا بين كثيرين هو أن الوزن الزائد والسمنة يمثلان مشكلة في البلدان ذات الدخل المرتفع فقط، لكن الواقع أنها تتفاقم بشكل أكبر اليوم في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، لا سيما بين الأطفال. فاليوم توجد الغالبية العظمى من الأطفال الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة في البلدان النامية، وفقا لتقارير المنظمات الدولية المختصة، بل إن معدل الزيادة أعلى بنسبة 30 في المائة من مثيله في البلدان المتقدمة. وإذا أخذنا بتقديرات منظمة الصحة العالمية الأخيرة على سبيل المثال، فإن ما يقرب من نصف الأطفال دون سن الخامسة الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة يعيشون في آسيا. وفي أفريقيا، زاد عدد الأطفال دون سن الخامسة ممن يعانون من زيادة الوزن بنسبة 24 في المائة تقريبا منذ عام 2000.
السمنة أصبحت ظاهرة عالمية، لكنها تبقى مشكلة معقدة لها العديد من الأسباب. فالحياة العصرية تجعل من الصعب على كثير من الناس القيام بنشاط بدني كاف، وتدفعهم للسلوك الكسول بالجلوس ساعات طويلة أمام أجهزة التلفزيون والكمبيوتر والهواتف الجوالة، بينما تضع الأكل غير الصحي في متناول الجميع تقريبا. هناك مشكلة بالتأكيد في كثير من الصناعات الغذائية، إذ توجد نسبة عالية من الدهون والسكر والمواد الحافظة في الأطعمة المصنعة والمعلبة. أضف إلى ذلك إعلانات الأكل السريع والجاهز المنتشرة في كل مكان من لافتات الشوارع إلى شاشات التلفزيون والكمبيوتر والهواتف الجوالة، التي كان لها تأثير واضح في تغيير ثقافة الأكل. والنتيجة أن الأكل التقليدي تراجع كثيرا لصالح الأكلات السريعة والجاهزة، لا سيما بين الشباب والأطفال.
هناك بالطبع أسباب وراثية، وحالات صحية معينة مثل خمول الغدة الدرقية، أو حتى نتيجة تناول أدوية معينة يمكن أن تسهم في زيادة وزن بعض الناس، لكنها تشكل نسبة ضئيلة في أرقام السمنة وزيادة الوزن.
المقلق أنه على الرغم من معرفة المخاطر، فإن الأرقام تستمر في الارتفاع إلى درجة أن البعض بات يصفها بوباء العصر. ومع هذه الزيادة في الأرقام تتزايد أيضا المشكلات الصحية الناجمة عن زيادة الوزن والسمنة؛ مثل داء السكري الذي ارتفعت أرقام المصابين به بشكل مخيف وبسببه يموت شخص كل 6 ثوان حول العالم. كذلك ترتبط السمنة بأمراض القلب وبعض أنواع السرطان، ويرجح أنها قد تسهم في الإصابة بنحو 13 نوعاً من السرطان، ومن المحتمل أن تكون مسؤولة عن مائتي ألف إصابة جديدة بالسرطان سنوياً، وفق منظمة الصحة العالمية. وفي حين أن أخبار المجاعات تثير اهتماما أكبر، فالحقيقة أن عدد الوفيات المرتبطة بزيادة الوزن والسمنة عالميا، أعلى من عدد الوفيات الناجمة عن الجوع ونقص الوزن.
إضافة إلى ذلك فإنَّ السمنة تتسبب في ضيق التنفس والشخير وزيادة التعرق وآلام المفاصل، وتسهم في مشكلات الصحة النفسية مثل الاكتئاب والعزلة نتيجة التمييز «الصامت» الذي يواجهه المصابون بالسمنة من المجتمع.
ومثلما أن الظاهرة معقدة، فإن علاجها أيضا محفوف بالمشكلات والمفاهيم الخاطئة أحيانا. صحيح أن طريقة العلاج الأفضل التي ينصح بها الأطباء وخبراء التغذية تتمثل في اتباع نظام غذائي صحي، وممارسة الرياضة بانتظام، لكن هذه وحدها لن تحل المشكلة إذا لم تصحبها إجراءات أخرى. فمع أهمية المسؤولية الفردية، لكنها لن تكون فعالة إذا لم تتكامل معها أدوار الحكومات في إصدار السياسات والتشريعات اللازمة التي تجعل الخيارات الغذائية الصحية متاحة، وبأسعار معقولة، وتوفر المناشط والملاعب التي تسهل على الناس النشاط البدني المنتظم وممارسة الرياضة من دون تكلفة تجعلها بعيدة عن متناول الكثيرين. وهناك دور للمدرسة ومناهج التعليم في نشر الوعي، ودور للأسرة وللمجتمع في دعم الأفراد، وفي التنفيذ المستمر للتوجيهات، وفي التوعية للقضاء على التمييز ضد من يعانون من السمنة.
صناعة الأغذية لديها مسؤولية أيضا في تقليل محتوى الدهون والسكر والملح في الأطعمة المصنعة، وبشكل خاص في المقبلات والأكلات والمشروبات التي تستهدف الأطفال والمراهقين. وفي هذا الصدد لا بد من تشريعات تلزم الشركات بمعايير ومواصفات محددة، وتفرض ضرائب أعلى على المشروبات والمأكولات التي تحتوي على نسب عالية من السكر والأملاح والدهون.
التصدي للظاهرة ووضع السبل للوقاية منها يحتاجان إلى رصد ميزانيات واستثمارات، لكن تكلفة الفشل ستكون أعلى بكثير. فتقرير اتحاد السمنة العالمي يشير إلى أنه إذا سارت الأمور على هذا المنوال ولم تتخذ إجراءات تؤدي لتحسن الوضع، فإن زيادة الوزن والسمنة ستكلف الاقتصاد العالمي أكثر من 4 تريليونات دولار من الدخل المحتمل بحلول عام 2035، أي ما يقرب من 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي الحالي. هناك بالطبع العديد من الأسباب غير المالية للعمل على معالجة السمنة، أهمها صحة الإنسان وهي محور كل شيء.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السمنة الخطر الزاحف السمنة الخطر الزاحف



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon