توقيت القاهرة المحلي 03:23:43 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السيناريوهات المحتملة في ملاحقة ترمب

  مصر اليوم -

السيناريوهات المحتملة في ملاحقة ترمب

بقلم - عثمان ميرغني

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب لديه مقدرة عجيبة على الإفلات من أصعب المواقف، وتحويل ما يبدو ضربة موجعة لرصيده السياسي، إلى حملة دعائية لمصلحته، على الأقل حتى الآن.
كان هذا الأمر واضحاً في كثير من المطبات، آخرها عندما قام عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) بتفتيش مقره في مارا لاغو بفلوريدا، يوم الاثنين الماضي، في خطوة أثارت اهتماماً وجدلاً، وربطتها التسريبات بالتحقيقات حول ما إذا كان قد أخذ معه سجلات وأوراقاً سرية من البيت الأبيض. فهذه أول مرة يتعرض فيها رئيس أميركي سابق لمداهمة مقره من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي، ولم تحدث حتى بعد فضيحة «ووترغيت» التي أجبرت ريتشارد نيكسون على التنحي ومغادرة البيت الأبيض.
المداهمة بدت لكثيرين لطمة قوية لترمب، يمكن أن تؤثر في فرصه لإعلان ترشحه لانتخابات الرئاسة مرة أخرى في 2024؛ لكنها في نظره بدت فرصة يستغلها لحشد التأييد والتعاطف. وهذا بالضبط ما فعله، إذ خرج ببيان سريع كشف فيه عن المداهمة قبل أن تعلن عنها وسائل الإعلام أو مكتب التحقيقات الفيدرالي. فالرجل تعلم منذ زمن كيف يتعامل مع النشر والإعلام في عصر سرعة وسائل الاتصال والتواصل، وكيف يفرض أجندته وفق قاعدة أنه قد لا يمكنه حجب نشر الخبر في هذا الزمن؛ لكن يمكنه توجيهه بالطريقة التي تخدم وجهة نظره، إذا سارع بنشره بحيث ينقله الناس أولاً عنه.
هكذا بدأ ترمب بيانه بتصوير نفسه ضحية لمؤامرة تستخدم فيها أجهزة الدولة، ما يعكس ما اعتبره تحول أميركا إلى ممارسات العالم الثالث. قال إن «هذه أوقات عصيبة لأمتنا»، واصفاً عملية المداهمة بـ«الحصار» و«الاحتلال» لـ«منزلي الجميل»، قبل أن يشدد على أنه «لم يحدث من قبل شيء من هذا القبيل لرئيس للولايات المتحدة».
كل هذه العبارات جعلت مكتب التحقيقات الفيدرالي يبدو الطرف المعتدي الذي تجاوز حدوده، وأن استهداف الرئيس لا يعكس مؤامرة ضده لمنعه من الترشح فحسب؛ بل يعد مؤشراً على تردي أوضاع أميركا منذ مغادرته البيت الأبيض و«سرقة» الفوز منه. وعلى الفور خرج أنصاره للدفاع عنه، وتوجه قسم منهم إلى منزله رافعين لافتات تندد بالمداهمة، وبمكتب التحقيقات الفيدرالي، بينما عبر آخرون عن آرائهم في منصات التواصل الاجتماعي، طالبين إعلانه الترشح لانتخابات 2024.
بعدها خرج نواب في الكونغرس من أنصاره، وقادة في الحزب الجمهوري، للدفاع عنه وإدانة المداهمة، ملوحين بأن الحزب إذا فاز في الانتخابات النصفية للكونغرس في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وانتزع الأغلبية النيابية من الديمقراطيين، فإنه سيوقف التحقيقات والملاحقات ضد الرئيس السابق؛ بل قد يعاقب مكتب التحقيقات الفيدرالي على مشاركته فيها.
أما ترمب فلم يبدد الفرصة؛ بل خرج ببيانات أخرى تدين الملاحقات ضده، وظهر في مناسبة لدعم أحد أنصاره، وفي فيديو ترويجي لنفسه ولحملته الرئاسية المتوقعة. ووسط كل هذه الضجة كادت عملية المداهمة الساعية للبحث عن أدلة لتجريمه، تصبح مناسبة للترويج السياسي له. وفوق ذلك فإنها حرفت الأنظار عن القضايا والتحقيقات الخطيرة الأخرى التي بدأت تضيق الخناق عليه، بحيث ركزت النقاش أو جله حول ما إذا كان هناك خرق حدث لقانون السجلات الرئاسية، وما إذا كان هذا الأمر كافياً لتوجيه ضربة قاضية لآمال ترشحه في 2024. فالحقيقة أنه ليس واضحاً حتى الآن السبب الذي جعل مكتب التحقيقات الفيدرالي يداهم مقر الرئيس السابق، ويقوم بمثل هذه الخطوة غير المسبوقة. فالمكتب لم يصدر بياناً حول أسباب المداهمة حتى اللحظة، والأجندة الإعلامية فرضها ترمب ببيانه المبكر الذي جعل كل الكلام يتمحور حول البحث عن وثائق سرية خرجت من البيت الأبيض.
إثبات انتهاك قانون السجلات الرئاسية ربما لم يكن يحتاج إلى مداهمة دراماتيكية كهذه، كان واضحاً أنها ستحدث ضجة وجدلاً واسعين. فترمب تردد كلام كثير في السابق حول تعامله مع السجلات الرسمية، وفي فبراير (شباط) الماضي استرد الأرشيف الأميركي الوطني 15 صندوقاً من الوثائق والسجلات التي يحتوي بعضها على معلومات سرية، ولم يسلمها ترمب لدى مغادرته البيت الأبيض؛ بل نقلت إلى مقره في مارا لاغو.
هناك أيضاً من يرى أن وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي لم يوافقا على مداهمة مقر الرئيس السابق لو لم يكن لديهما مبرر قوي ضمن الاتهامات والتحقيقات المتعددة التي تجرى حوله. فمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الحالي كريستوفر راي عينه ترمب ذاته قبل خمس سنوات، ومعروف عنه أنه جمهوري، لذلك يبدو غريباً أن يحاول ترمب وأنصاره اليوم تصوير المداهمة على أنها مخطط ديمقراطي، علماً بأن البيت الأبيض أعلن رسمياً أنه لم يُخطر بها مسبقاً، ولم يعلم بها إلا بعد وقوعها، من خلال «تويتر».
خرق قانون السجلات الرئاسية وحده قد لا يكون كافياً لإقصاء ترمب من المشهد، والخبراء القانونيون انقسموا على أي حال حول ما إذا كانت هذه التهمة يمكن أن تؤدي لحظر ترشحه مرة أخرى في انتخابات الرئاسة. صحيح أن خرق القانون يمكن أن يؤدي نظرياً إلى عقوبة السجن لفترة قد تصل إلى 3 سنوات، وحظر تقلد أي وظيفة فيدرالية، إلا أن الأمر لن يكون بهذه السهولة؛ إذ سيتعين على المدعي العام إثبات أن ترمب شخصياً مسؤول عن الأمر، وفوق ذلك إثبات أنه كان يعرف بمحتويات الصناديق التي نقلت إلى مقره وفيها هذه الوثائق.
بعض القانونيين ذهب أبعد من ذلك، ورأى أنه حتى لو ثبت عليه خرق القانون وأدين، فإن ذلك لن يكون كافياً لمنعه من الترشح للرئاسة؛ لأن الشروط الواردة في الدستور تتعلق فقط بالجنسية والإقامة والسن، والدستور يعلو على القوانين الأخرى، ما يعني أن ترمب يمكنه الطعن في محاولة حظره. ويشير خبراء إلى أن الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش فاز بالرئاسة مرتين، على الرغم من أنه كان قد أدين بتهمة قيادة سيارته تحت تأثير الكحول في منتصف السبعينات، ولم يمنعه ذلك من الترشح وشغل أعلى منصب في البلاد.
ترمب يواجه تحقيقات أخرى أخطر عليه وعلى طموحاته من مسألة السجلات والوثائق التي نقلت إلى مقره. فهناك التحقيقات بشأن أحداث اقتحام الكونغرس في 6 يناير (كانون الثاني) 2021، وما إذا كان الرئيس السابق حرض عليها. وهناك تحقيق منفصل أمام هيئة محلفين كبرى، بشأن محاولات ترمب وبعض مساعديه لتغيير أو لإلغاء نتائج انتخابات الرئاسة الماضية.
وفي تطور آخر، قضت محكمة استئناف فيدرالية أول من أمس، بأن من حق مجلس النواب الأميركي الحصول على الإقرارات الضريبية لترمب، وهو الأمر الذي قاتل محاموه بشدة لمنعه. وكأن كل ذلك ليس كافياً، فقد كان من المقرر أن يمثل الرئيس السابق لاستجواب تحت القسم في مكتب المدعي العام في نيويورك أمس، في إطار التحقيقات بشأن شركاته وممارساته التجارية. ونظراً لخطورة الاتهامات، فقد هاجم ترمب بشدة المدعية العامة لنيويورك، وهي من الأميركيين من جذور أفريقية، واتهمها بالعنصرية، وبأن لديها دوافع سياسية، واصفاً خطوة التحقيقات بـ«جمهورية موز»!
الرئيس السابق يبدو في سباق مع الزمن، والتحقيقات الكثيرة المثارة حوله، والسيناريو الأكثر ترجيحاً، أن هذه التطورات ستدفعه، لا للانسحاب؛ بل للتعجيل بإعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية في 2024. فذلك من شأنه حشد أنصاره حوله، وتصوير التحقيقات المتعددة على أنها ذات دوافع سياسية ضد حملته. والأهم من ذلك أن فرصة الفوز في الانتخابات ستمنحه الحصانة التي يريدها، لقلب الطاولة على خصومه ووقف الملاحقات.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السيناريوهات المحتملة في ملاحقة ترمب السيناريوهات المحتملة في ملاحقة ترمب



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:22 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة
  مصر اليوم - أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة

GMT 03:53 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ترامب يرد على منتقديه في تجمع انتخابي بولاية جورجيا
  مصر اليوم - ترامب يرد على منتقديه في تجمع انتخابي بولاية جورجيا

GMT 16:35 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الجيش الإسرائيلي يتخبّط في "أزمة حادة"
  مصر اليوم - الجيش الإسرائيلي يتخبّط في أزمة حادة

GMT 19:05 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية
  مصر اليوم - حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية

GMT 10:37 2021 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

تعرف على من هو أحمد مناع أمين مجلس النواب 2021

GMT 06:45 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

أبرز فوائد فيتامين " أ " على صحة الجسم والمناعة

GMT 09:47 2020 الثلاثاء ,03 آذار/ مارس

عبد المهدي يتخلى عن معظم مهامه الرسمية

GMT 04:22 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ريم مصطفى تؤكد أن مسلسل "شديد الخطورة" تجربة مختلفة

GMT 07:44 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

سامي مغاوري يتحدى ابنه في "واحد من الناس" مع عمرو الليثي

GMT 21:05 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

مصرية تطلب الخلع من زوجها وتتفاجئ من رد فعله

GMT 18:29 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل شخص وإصابة اثنين فى حادث تصادم بالدقهلية

GMT 19:21 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

بوسى برفقة حلا شيحة فى أغرب إطلالة لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon