توقيت القاهرة المحلي 20:52:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لا حكومة في العراق ولا رئاسة في لبنان!

  مصر اليوم -

لا حكومة في العراق ولا رئاسة في لبنان

بقلم: هدى الحسيني

أثناء وجوده في لندن قال مرجع كبير في الدولة اللبنانية، إن هناك ضغوطاً حقيقية أوروبية وأميركية على الجنرال ميشال عون لعدم المماطلة بترك سدة الرئاسة في الموعد الدستوري، وأكد أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعث برسالة بهذا الخصوص إلى الجنرال تمنى فيها الالتزام الحرفي بالدستور اللبناني ومواعيده، ونبّه إلى أن الإخلال به تحت أي سبب أو حجة سيكون له وقع سيئ في فرنسا والاتحاد الأوروبي، وسيؤدي حتماً إلى إجراءات قاسية بحق كل مخالف أو مساهم أو متآمر لخرق دستور البلاد. وكان الرئيس الفرنسي يعني عقوبات اقتصادية، وتجميد حسابات مصرفية وأصول، ومنع تأشيرات دخول وإسقاط جنسية في حال كان المعاقب مزدوج الجنسية، وهذه ستلحق بالجنرال عون وأي مستشار أو معاون يساهم في خرق دستور البلاد وعائلاتهم.

قال المرجع اللبناني، إن الرئيس عون لم يرد على رسالة ماكرون رغم غضبه وسخطه من محتواها، وقد طواها وسلّمها إلى أحد المستشارين، طالباً منه التصرف فيها.
ما فات الرئيس اللبناني أن ماكرون، وهو أحد المشاركين في لعبة الأمم وإن لم يكن في مصاف الدول الأفعل، أراد إفهامه أن تطاحن قوى العالم الكبرى في الشرق الأوسط قد دخل مرحلة دقيقة جداً، وكل من يقف في وجه التوازنات أو يخل بها وقد شارفت على الثبات، سيتم سحقه بلا تردد.
العارفون بشخصية ميشال عون يقولون، إن الرجل من خلال تاريخه إلى اليوم يخطئ في قراءة الأحداث، وقراراته تقحم البلاد في مشاكل مدمّرة رغم تبريراته التي لا قيمة حقيقية لها. فلقد تحالف مع صدام حسين عندما كانت جيوش العالم تتجمع لمحاربة الرئيس العراقي بسبب احتلال الكويت، وخسر إمكانية الدعم الدولي له شخصياً، وعرّض لبنان لخطر عداء العالم لولا موقف رئيس الوزراء سليم الحص آنذاك الذي عارض احتلال الكويت وشجب الاعتداء على سيادة البلد. وواجه الجنرال عون الرئيس السوري حافظ الأسد وصرح بأنه «سيكسر رأسه» ولم يدرِ أن الأسد حصل على ضوء أخضر من الدول الكبرى بالسيطرة على لبنان بسبب إرساله فرقة من بضعة جنود للمشاركة في حرب تحرير الكويت، وقد أعطى الجنرال عون يومها المبرر لاقتحام الجيش السوري لقصر بعبدا بسبب امتناعه عن تسليم القصر للرئيس المنتخب إلياس الهراوي، فقتل السوريون خيرة ضباط الجيش الذين استبسلوا في الدفاع عن القصر ووزارة الدفاع بينما كان قائدهم يفرّ بملالة عسكرية مصفحة للجوء إلى السفارة الفرنسية.
هذا غيض من فيض لأخطاء الجنرال، ولعل آخر أخطائه كان وصوله إلى الرئاسة على عربة «حزب الله»، معتقداً أنه سيروّض الحزب لمصالحه ولم يدرك أن مشروع هذا الحزب هو رأس حربة لمشروع أممي كبير يطمح إلى تغيير شامل للمجتمعات والثقافات، وهو سيزيل من الطريق كل من يقف في طريقه، وبالتأكيد سيهمش من لا يخضع لسيطرته. لتحقيق حلمه بالرئاسة مكّن الجنرال «حزب الله» من السيطرة على لبنان وتغيير البلد الصغير بملامحه وثقافته وتنوعه وجاذبيته للقاصي والداني وبمستوى حياة ناسه التي كانت مقبولة.
وبموجب تحالف ميشال عون مع «حزب الله» الذي أرسيت قواعده فيما سُمي اتفاق مار مخايل جيّر عون التأييد المسيحي له حينذاك لمصلحة مشروع «حزب الله»، ووضع سياسة لبنان الخارجية التي تسلمها طوال فترة عهده لخدمة الحزب ومصالحه، وبالتالي لخدمة أصحاب المشروع في إيران.
ومع اقتراب انتهاء حكم ميشال عون، يجد الحزب نفسه أمام خيارات صعبة ومصيرية. فعون وتياره فقدا صفة تمثيل المسيحيين؛ وبهذا لم يعد للحزب غطاء مسيحي لمشروعه الخبيث، وليس هناك بديل يملك أي صفة تمثيلية جدية للمسيحيين يمكنه التحالف معه. فسليمان فرنجية رئيس «المردة»، الموعود بالرئاسة من قِبل حسن نصر الله قبل ست سنوات لا يستطيع الادعاء بأنه يمثل أغلبية المسيحيين، وهو لم يحصل إلا على مقعد واحد في المجلس النيابي الجديد. وإذا أصر الحزب على السير قدماً بترشيح فرنجية؛ فإن المسيحيين القريبين من خط الممانعة سيتفرقون ولن يرضوا بخيارات «حزب الله» الذي سيفقد المزيد من الغطاء المسيحي، ومن ناحية ثانية، إذا كان وعد نصر الله لفرنجية ليس صادقاً، فإن الأخير سيراجع حساباته ومواقفه من الحزب وسينشأ شرخ لن يكون من السهل تصليحه. كما أن «حزب الله» ليس بوارد دعم ترشيح جبران باسيل المعزول دولياً والذي سيسيئ إلى العلاقة بين الحزب وحلفائه والمقربين منه. ويقول المقربون من الحزب، إنه لا يستطيع المراهنة على شخصية مستقلة لديها دعم دولي لأنها لن تستطيع أن تعطي الضمانات والتعهدات التي أعطاها ميشال عون وكان صادقاً فيها، وهذا ليس وقت المراهنة وأخذ المخاطر. أما حزب القوات اللبنانية، فإن موقفه واضح من الحزب وليس هناك ما يجمعهما، ومسيحيو القوات أعداء الحزب.
يبقى الخيار الآخر للحزب، وهو تعطيل أو تأجيل أو المماطلة بانتخاب الرئيس؛ وذلك لأسباب الخلاف على تشكيل الحكومة بين الرئيس نجيب ميقاتي والجنرال. وفي الأوقات الصعبة وثق بإقدام الرئيس عون على ارتكاب الأخطاء المدمرة، فمصادر مقربة منه تقول إنه سيخرج من قصر بعبدا إلى بيته الجديد في الرابية، ولكنه في الربع ساعة الأخير سيسلم مهامه إلى حكومة أخرى غير حكومة تصريف الأعمال التي بنظره هي غير شرعية وغير صالحة لتتسلم مهام رئاسة الجمهورية، وهكذا يصبح في لبنان حكومتان، ويكون الجنرال بمنأى عن تهديد ماكرون والمجتمع الدولي بينما تتخبط البلاد ويكتمل انهيار ما تبقى من المؤسسات.
سيناريو تعطيل الرئاسة يزيد من مشاكل لبنان؛ مما سيؤدي إلى موت البلد في عهد ميشال عون المدمر لكل ما لمسه منذ ظهوره على الساحة اللبنانية. فترسيم الحدود يحتاج إلى توقيع رئيس الجمهورية وإذا كان المركز خالياً، فإن الترسيم لن يحصل وهذا له ارتدادات خارجية وستستباح أملاك لبنان وثرواته. وكذلك الوضع الاقتصادي والمالي الذي لن يستقيم بغياب دولة مكتملة النصاب للتوقيع على اتفاقيات والتزامات وقوانين... وهكذا، ستصبح محاولات إنعاش النظام المالي والاقتصادي كمحاولة إحياء الجسد وهو رميم. إلا أن المؤسف أن الأولوية لولي الأمر ووكلائه المحليين أي «حزب الله» الذي هو مشروع أكبر بكثير من لبنان ولا يتردد في التضحية بالبلد الصغير من أجل التزاماته الأكبر منه.
ومع اقتراب نهاية عهد عون، ذكرت تقارير في وسائل إعلام لبنانية أن «حزب الله» رفع مستوى التأهب لديه وألغى إجازات لأعضائه؛ تحسباً لاختتام المحادثات عبر الحدود البحرية. وهنا اختلاف كبير في التوقعات؛ في بيروت يسود الاعتقاد لدى البعض أن المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين عائد إلى المنطقة في محاولة أخرى للتوصل إلى حل وسط بين إسرائيل ولبنان واختتام المباحثات، في حين يتردد في إسرائيل أنه لن يحصل شيء كي لا يعتقد نصر الله أن إسرائيل تخاف من تهديداته. هو حدد شهر سبتمبر (أيلول) الموعد النهائي لانسحاب إسرائيل بعيداً عن الحدود المائية اللبنانية. وكان نصر الله على مدى الأشهر القليلة الماضية، هدد بانتظام بضرب منصة الغاز الإسرائيلية البحرية في كاريش الشمالية، إذا لم يكن راضياً عن الاتفاق الذي يكون قد تم التوصل إليه.
يتزايد القلق في الولايات المتحدة وعدد قليل من الدول في المنطقة من أن يستغل «حزب الله» الخلاف على الحدود البحرية لاستفزاز إسرائيل عسكرياً؛ مما قد يؤدي إلى اشتباكات بين الحزب والجيش الإسرائيلي. ومع ذلك، لا يمكن استبعاد أن التسريب بأن الحزب ألغى الإجازات يهدف أساساً إلى نقل الاستعجال والضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق قريباً حتى تكون للحزب اليد العليا في شخصية الرئيس اللبناني المقبل، وإن كان البعض في إسرائيل يشعر بالقلق من أن تصعيد التهديدات العامة سيؤدي في النهاية إلى صدام عسكري حقيقي.
لكننا الآن نلاحظ أن إسرائيل مهتمة بـ«بنود» الاتفاق النووي بين إيران وأميركا، تاركة نصر الله يستقبل مسؤولي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» المدعومين من إيران في مكان ما تحت أو فوق أرض الضاحية الجنوبية من بيروت، فلماذا تهتم هي إذا كانت دولة لبنان العليا غير مهتمة بمن يدخلها أو يخرج منها؟!
قال نصر الله لا علاقة لاتفاق فيينا باتفاق ترسيم الحدود المائية بين لبنان وإسرائيل، لكنه لم يقل لا علاقة لاتفاق فيينا وانتخابات الرئاسة في لبنان.
تدعي إسرائيل أن التهديد الإيراني هو تهديد استراتيجي كبير لها. وتقول يجب أن يكون مفهوماً أن هذه ليست مجرد نظرية، بل إن الإيرانيين يبذلون جهوداً جبارة لتطوير قدرات تهديدية في لبنان.
الآن إذا تأخر التوقيع في فيينا، خصوصاً إذا كانت إسرائيل من يتابع نص الاتفاق، فما الذي يمنع نصر الله من تأخير انتخاب رئيس في لبنان؛ إذ وفقاً لمنشورات أجنبية، لدى الحزب 150 ألف صاروخ موجه إلى إسرائيل، بالإضافة إلى صواريخ بعيدة المدى، وقدرات إلكترونية وإرهابية، وقبل كل شيء، أن إيران على وشك الحصول على النووي، كل هذا يشكّل المزيج المطلوب إيرانياً لتدمير ما تبقى من لبنان، وبالتالي لا حكومة في العراق، لا رئاسة في لبنان، لكن حتى لو وقعت حرب بين إسرائيل و«حزب الله»، لن تمنع عندها اشتعال حرب لبنانية ضد «حزب الله». فمهما فعل الحزب لن يجعل كل اللبنانيين يقفون معه، بل العكس هو ما سيحصل ومن يعش يرَ. وإذا تم توقيع اتفاق في فيينا، فالوضع في لبنان لن يتحسن إذا لم يغير «حزب الله» جلده.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا حكومة في العراق ولا رئاسة في لبنان لا حكومة في العراق ولا رئاسة في لبنان



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
  مصر اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 11:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 20:30 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

جماعة الحوثي تعلن تنفيذ 3 هجمات على أهداف حيوية في إسرائيل
  مصر اليوم - جماعة الحوثي تعلن تنفيذ 3 هجمات على أهداف حيوية في إسرائيل

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 06:00 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

العلماء الروس يطورون طائرة مسيّرة لمراقبة حرائق الغابات

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 20:12 2024 الخميس ,15 آب / أغسطس

عمر كمال يوجه رسالة مؤثرة لأحمد رفعت

GMT 10:00 2016 الأربعاء ,09 آذار/ مارس

إصبع ذكي يعيد حاسة اللمس للاصابع المبتورة

GMT 23:53 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

مصمم مغربي يطرح تشكيلة راقية من القفطان الربيعي لموسم 2016

GMT 05:09 2015 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

توثيق ازدهار ونهاية مؤسس "داعش" أبو مصعب الزرقاوي

GMT 21:24 2017 السبت ,09 أيلول / سبتمبر

5 مواقف فتحت النار على سهير رمزي بعد خلع الحجاب

GMT 05:22 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

خبيرة موضة تقدم نصائح لارتداء فساتين الصيف خلال الشتاء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon