توقيت القاهرة المحلي 10:30:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإيرانيون كسروا «حاجز الخوف» بمظاهراتهم

  مصر اليوم -

الإيرانيون كسروا «حاجز الخوف» بمظاهراتهم

بقلم: هدى الحسيني

أهم ما تركته المظاهرات في إيران أنها أبلغت القيادة بأن حاجز الخوف قد تم كسره. بدأت المظاهرات المتقطعة أولاً في العراق، ثم امتدت إلى لبنان، وأدت إلى استقالة رئيسي وزراء البلدين، ثم وصلت إلى شوارع طهران بقوة كبيرة.
وكان قرار اتخذته 3 بلديات منذ نحو 3 أسابيع برفع سعر لتر البنزين بمقدار 5 آلاف ريال، وإدخال نظام الحصص الشهرية المخفضة للوقود، أخرج عشرات الآلاف من الإيرانيين إلى الشوارع، وتحولت المظاهرات العامة الأصيلة والعفوية والتي بدأت بوصفها احتجاجاً مالياً، على الفور إلى معارضة للنظام الذي يستثمر أموال الإيرانيين لترسيخ نفوذه الإقليمي على حساب مواطنيه. في الأسبوع الماضي تعمد «حزب الله» في لبنان نشر فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي وأعضاؤه يعدّون ملايين الدولارات التي وصلت إلى الحزب من إيران (تقدر بـ75 مليوناً)، كما نشر الحزب شريطاً لأحد أعضائه يقود سيارة وفي داخلها رزم ضخمة من الدولارات وعلى واجهة السيارة صورة الأمين العام للحزب حسن نصر الله، ويستمع إلى أغنية عراقية تمجّد إيران. وكان الأمين العام للحزب قال في إحدى خطبه إن أزمة الدولار التي تعصف بلبنان لن تطال مقاتليه، فإيران هي البنك الذي لا ينضب، وبالتالي لن يعاني الحزب من أي ضائقة. وليس غريباً أن يكون الشعار الأكثر شيوعاً في المظاهرات الإيرانية: «الموت للديكتاتور»، وهذا زاد من قلق النظام إلى حد كبير.
بدأت المظاهرات في عشرات المدن على امتداد جميع أنحاء إيران، بما في ذلك المدن الرئيسية: طهران، وشيراز، وأصفهان. كان سلاح المتظاهرين الشعور بالإحباط من الاحتجاجات الفاشلة سابقاً، لذلك هاجموا قوات الأمن وأغلقوا الطرقات وأضرموا النار في مئات محطات الوقود والمصارف وقواعد «الباسيج» والكليات الدينية، وأحرقوا صوراً لكبار مسؤولي النظام. لقد أدى اليأس والإحباط والكراهية العميقة تجاه النظام التي عبر عنها الإيرانيون، إلى تغذية الاحتجاجات وزيادة حجمها. ووفقاً لوكالات أنباء عدة؛ شارك نحو 100 ألف شخص في المظاهرات، ومع هذا تجاوز مستوى العنف والمعدل الذي انتشرت به الاحتجاجات، ذلك الذي قوبلت به مظاهرات عام 2018، مما جعلها أكثر المظاهرات الاحتجاجية انتشاراً وأهمية منذ عام 2009. يبدو من هذا أنه كلما أصبح الشعب الإيراني أكثر استعداداً لتنفيذ انقلاب، زاد التطرف في التدابير التي يتخذها النظام لقمع الاحتجاجات والمظاهرات بأي ثمن. وكلما استعرت المظاهرات؛ كان قادة النظام يحاولون استرضاء الشعب. ومع ذلك؛ فإن الإجراءات تتحدث بصوت أعلى من الكلمات. وكعادة الأنظمة الديكتاتورية التي تدّعي أنها لا ترى ما يجري في الشارع، أعلن الرئيس حسن روحاني أن الأمة الإيرانية تمكنت من التغلب على تحدي الاحتجاج، وسارع متحدث باسم الحكومة إلى إبلاغ الإيرانيين بأنه لن تتم الموافقة على زيادة تسعيرة الوقود حتى شهر مارس (آذار) من عام 2020.
في الأيام التي تلت تغيرت النبرة وبدأ زعماء النظام الإدلاء بتصريحات علنية بشأن وحشية الأحداث والخطر التي تشكله على النظام. على أرض الواقع كانت هناك بالفعل تقارير عن ارتفاع أسعار الخبز والحليب في المستقبل القريب، فالوضع الاقتصادي المتدهور في إيران لا يبدو جيداً.
سواء تم فرض تدابير اقتصادية جديدة أم لا، وما إذا كانت المظاهرات تشكل تهديداً حقيقياً للنظام أم لا، فهناك شيء مؤكد تغير في المجتمع الإيراني؛ لقد تم «كسر حاجز الخوف» لدى الإيرانيين، فالجدار الذي كان بمثابة ضبط النفس من تطور الاحتجاجات المدنية حتى الآن، تم هدمه، واستعداد الجمهور الإيراني للاشتباك مع قوات الأمن يعني شيئاً واحداً: لم يعودوا يخافون من الخروج إلى الشوارع.
اتخذ النظام تدابير استثنائية عادة ما تكون مخصصة للأحداث الشديدة، مثل استخدام النيران الحية، وتم نشر كثير من قوات الأمن؛ بما في ذلك قوات «الحرس الثوري» التي تولت القيادة في العمليات إلى جانب القوات المسلحة وقوات الأمن الداخلي و«الباسيج» ووزارة الداخلية. احتجز النظام 7 آلاف مواطن في جزء من محاولاته لقمع الاحتجاجات، وتأثر كثير من جوانب الحياة اليومية، بما في ذلك إلغاء الدراسة في المدارس والجامعات، وتأجيل المباريات الرياضية، وإغلاق خطوط المترو، وفرض حظر تجول عام.
كما تم حظر الإنترنت والشبكات الخليوية من أجل جعل تنظيم المتظاهرين بين بعضهم بعضاً أمراً صعباً. كانت هذه محاولة أخيرة من قبل النظام لإخماد نيران المظاهرات ولو على حساب تقويض صورته والتسبب في إضرار بالاقتصاد. حتى بعد ادعاء الدولة أنها أعادت الإنترنت، أبلغ كثير من الإيرانيين عن محدودية الوصول إليه، لا سيما المواقع الإلكترونية والشبكات الخليوية. ورغم أن هذا الإجراء المتطرف قد تعرض لانتقادات شديدة من قبل كثيرين، بما في ذلك احتجاج رسمي من قبل 11 عضواً من أعضاء مجلس الشورى، فإن قرار حظر الإنترنت كان له تأثير حاسم على قمع الاحتجاج في أسبوع واحد فقط، ومع ذلك بقي الجمهور الإيراني يطلق صرخة المعركة. فقد وجدت مقاطع فيديو وصور خاصة للمتظاهرين طريقها إلى العالم، حيث أبلغت العالم بالنطاق الهائل للاحتجاج على النظام والعنف الذي استخدمه النظام لتفريق المتظاهرين. وذكرت منظمة العفو الدولية لحقوق الإنسان مقتل 143 متظاهراً خلال موجة الاحتجاجات، لكن المنظمة لم تكشف عن القتل الجماعي في ماهشهر حيث أحاط «الحرس الثوري» بالمنطقة وقتل ما بين 40 ومائة متظاهر مسالم أغلبهم من الشباب كانوا لجأوا إلى حقل من قصب السكر، وقيل إنهم أضرموا النيران بالجثث.
حاول النظام التخفيف من عدد القتلى، لكن مسؤولاً إيرانياً رفيع المستوى من وزارة الداخلية أكد مقتل 218 شخصاً «إن لم يكن أكثر». ورغم أن الاحتجاجات لم تخرج عن نطاق السيطرة، فإن العدد الكبير من القتلى قد يشير إلى أن قوات الأمن فوجئت بمدى شدة الأحداث وغضب الشارع.
ربما تراجعت موجة الاحتجاج، لكن ينبغي عدم التقليل من أهمية الانتفاضة العامة، من قبل النظام أو الشعب؛ إذ يشير الغضب الذي عبرت عنه الأحداث الأخيرة إلى شعور الجمهور الإيراني المتزايد بالاشمئزاز تجاه النظام، حتى لو حاول الأخير إيجاد حلول ملتوية لتخفيف الشقاء العام، فالحقيقة أنه لا يمكن أن يكون هناك حل حقيقي للمعضلة الاقتصادية، ولا توجد وسيلة لتحسين الرفاهية العامة، ما دامت إيران تحت قيادة «فيلق القدس» التابع لقاسم سليماني تواصل محاولة ترسيخ نفوذها في العراق وسوريا واليمن ولبنان.
رغم أن النظام ربما يكون استوعب الحساسيات الحالية للجمهور استناداً إلى سلوكه على مر السنين، فإنه من المحتمل أن يحاول الحفاظ على صورة قوته من أجل ردع المحتجين حتى عندما يكون وضعه أضعف مما يبدو عليه. هذا سيؤدي إلى خروج الجماهير مجدداً إلى الشوارع والانضمام إلى «حرب الاستنزاف» ضد النظام، وليس من الواضح من سيخرج منتصراً، مع أن الإيرانيين صاروا يدركون ويرددون أنه لن يكون سلام في إيران أو في الشرق الأوسط، إذا لم تتم إطاحة النظام الذي «يحتل بلادهم» بصورة غير شرعية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإيرانيون كسروا «حاجز الخوف» بمظاهراتهم الإيرانيون كسروا «حاجز الخوف» بمظاهراتهم



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon