توقيت القاهرة المحلي 19:48:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كورونا «احتل» العالم بهوية صينية!

  مصر اليوم -

كورونا «احتل» العالم بهوية صينية

بقلم :هدى الحسيني

يوم الأحد الماضي، قال السفير الصيني لدى الولايات المتحدة كوي تيانكاي، إنه مصرٌّ على اعتقاده بأنه من الجنون نشر الشائعات عن أن فيروس «كورونا» نشأ من مختبر عسكري تابع للولايات المتحدة، فردّ بذلك على المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو لي جيان، الذي روّج للمؤامرة. نأي السفير بنفسه عن تصريحات الخارجية الصينية رأى فيها الأميركيون إشارة مهمة من كبير ممثلي القيادة الصينية في الولايات المتحدة.
لقد أعرب كبار المسؤولين الأميركيين بمن فيهم الرئيس دونالد ترمب، عن غضبهم لمحاولة المسؤولين الصينيين نشر نظرية المؤامرة، لذلك يصر ترمب على تسمية «الفيروس الصيني»، خصوصاً أنه لا يوجد عالِم وبائي موثوق به في العالم أشار إلى أن الفيروس نشأ في أي مكان باستثناء الصين ومن الحيوانات التي تباع في سوق «ووهان».
ورغم الثناء على الصين بأنها نجحت خلال شهرين في السيطرة نسبياً على الوباء في «ووهان» بسبب الحجْر الكامل على المواطنين في منازلهم، فإن هذا لن ينقذها من تكلفة اقتصادية مرتفعة جداً. تضع البيانات آفاق الانتعاش الاقتصادي في موضع الشك وأسوأ بكثير من التوقعات. الأكثر إقلاقاً لأصحاب القرار السياسي في الصين بسبب الفيروس الذي اجتاح العالم وأغلق اقتصادات كثيرة وحجْر مليارين و300 مليون إنسان في بيوتهم، أن الضربة الاقتصادية الصينية بدأت. فوفقاً للمكتب الوطني للإحصاءات في الصين انخفض الناتج الصناعي بنسبة 13.5% خلال الشهرين الأولين من السنة، وهو أعمق انكماش مسجّل في مثل هذه الفترة، وانخفضت مبيعات التجزئة بنسبة 20.5%، ولا يتوقف «الحبر الأحمر» عند هذا الحد، إذ انخفض قطاع البناء بنسبة 45%، وكذلك بيع المنازل 40%، والاستثمار العقاري والتجاري 16.3%، كما ارتفعت نسبة البطالة في المناطق الحضرية، وهو مقياس تتم مراقبته عن كثب من المسؤولين كونه يشكّل احتمالاً لاضطرابات اجتماعية، والبطالة وصلت إلى 6.3% في شهر فبراير (شباط) الماضي، أي ما يعادل فقدان 5 ملايين شخص لوظائفهم خلال شهرين.
البيانات مجتمعة تشير إلى انكماش حاد بنسبة 13% في الناتج المحلي الإجمالي خلال الشهرين الأولين من العام. تعطي هذه البيانات دلالات مهمة: أولاً، أنها أسوأ بكثير مما توقعه معظم المحللين، وثانياً، أنها أيضاً أسوأ بكثير مما اعتادت السلطات الصينية إبلاغه للرأي العام. يشرح محدِّثي مدى عمق هذا السوء، يقول: «كان الاعتقاد أن معظم الأثر الاقتصادي لفيروس (كورونا) سيكون محسوساً في الربع الأول، لكن الانتعاش سيصبح راسخاً بحلول الربع الثالث من هذا العام». يضيف: «ظن كثيرون أن الصين ستشهد انتعاشاً سريعاً على شكل حرف (V)، لكن عدة عوامل تخفف مثل هذا السيناريو، فهناك مسألة اللوجستيات، وهي إعادة الجميع إلى العمل على الرغم من أن البلاد عادت إلى طبيعتها خلال الأسابيع الماضية، وذكرت صحيفة (نيويورك تايمز) الأميركية أن عشرات الملايين من العمال معزولون عن عملهم، وقدّر أحد مديري الشركات أن المصانع لا تزال تعمل بنصف طاقتها».
ثم هناك مشكلة الاستهلاك، من المؤكد أن المستهلكين الصينيين سيبتعدون عن عبء الديون وسيعتريهم الخوف من احتمال فقدان وظائفهم أو الاضطرار إلى دعم أفراد من أسرهم فقدوا وظائفهم. وهذا لا يمثل إطار العقل الذي يُفضي إلى عودة صاخبة للنمو من خلال المستهلك في النصف الأخير من عام 2020.
ثم هناك التدهور السريع للشركاء التجاريين الرئيسيين للصين بسبب الوباء. إن كبرى وجهات التصدير للصين: اليابان، وكوريا الجنوبية، والولايات المتحدة، كلها تعاني من تفشيه بدرجات متفاوتة، مع تزايد احتمال أن يصبح أكثر انتشاراً في الولايات المتحدة مع مرور الأيام. ثم إن الاتحاد الأوروبي مجتمعاً يمثل أكبر سوق تصدير للصين وهو أيضاً في خضم التخبط في الوباء مما سيؤدي حتماً إلى اهتزاز اقتصادي كالذي شهدناه في الصين.
إذن، وببساطة فإن احتمال أن يكون الانتعاش الصيني على شكل حرف (V) هو مجرد حلم. حتى إذا انتعشت، فلمن ستبيع والكل يتوقع انكماشاً عالمياً؟!
النتيجة الثانية المستخلصة من البيانات الاقتصادية الصينية هي أكثر إثارة لقلق السلطات الصينية، لأن أخباراً بهذا السوء غالباً ما تبقى بعيدة عن آذان الشعب الحساسة. وقد تكون هناك عدة أسباب لذلك القلق، لأنها تهز الدرجة العالية من الثقة الدعائية التي تعتمدها السلطات التي حاولت تبرئة نفسها من تفشي الفيروس في البداية من خلال التستر، وارتكبت أخطاء إدارية، وبوضعها الفيروس كقوة قاهرة سبّبت تداعيات اقتصادية تظهر الحكومة كمنقذ نهائي ستعمل على التعافي بسرعة. هذه الثقة المصطنعة ستتعزز أكثر ما دامت الدول الأخرى تفشل في الارتقاء إلى مستوى التحديات التي فرضها الفيروس. فهذه الدول الديمقراطية المنفتحة على الحريات فاجأها انقضاض هذا الفيروس على شعوبها، لكنها مع تزايد عدد الوفيات ستكون بمثابة أمثلة سلبية أمام إتقان الصين عدم السماح للوباء بالتفشي من خلال عملية حجْر الملايين من الناس وبسرعة.
هناك احتمال آخر لنشر هذه البيانات، هو أن السلطات تدرك أن المزيد من الألم الاقتصادي سيحمله عام 2020، فمن الأفضل إدارة توقعات الناس عن طريق الإبلاغ عن الأخبار السيئة في المقدمة.
إن أرقام شهر مارس (آذار) التي تؤكد جميع المؤشرات أنها ستكون سيئة بسبب الإغلاق، ستمثل هدفاً مغرياً للرقابة الحكومية، لأنها ستخبر ما إذا كان الرئيس شي جينبينغ نجح أم لم ينجح في التحكم بالواقع، خصوصاً أن الحزب الشيوعي الحاكم قلق بشأن الاضطرابات الكبيرة المحتملة في البلاد. الذي يبعث على الاعتقاد بأن قيادة الحزب الشيوعي الصيني متوترة هو اللجوء إلى نظرية المؤامرة.
من الواضح لبقية العالم أن الولايات المتحدة كمن «قبض عليها عارية» في ردة فعلها على هذا الفيروس، من هنا فإن نظرية المؤامرة التي حاولت الصين تسويقها أُبطلت بسهولة، وإن كان بعض العرب مصرّين على القول إن الحرب البيولوجية - الجرثومية التي شنتها الولايات المتحدة على الصين، أفلتت من السيطرة ووصلت إليها. لكن محاولات الحزب الشيوعي الصيني، كما عادة الأنظمة الشيوعية أرادت حشد الشعب حول عدو خارجي «مسمن». وكانت هذه كارثة علاقات عامة للرئيس شي والحزب الشيوعي الحاكم.
ومع هذا تصر بكين على المناورة من «أجل اغتنام الفرصة» التي أتاحتها مأساة الفيروس. يقول هان جيان، من الأكاديمية الصينية للعلوم: «حالياً تم احتواء فيروس (كورونا) في الصين، واستأنفت معظم المناطق العمل والإنتاج، لذلك من الممكن تحويل الأزمة إلى فرصة لزيادة الثقة والاعتماد في كل دول العالم على مفهوم (صنع في الصين)».
لكن بالنسبة إلى مئات الملايين من الناس في العالم أصبحت الثقة سلعة نادرة بعد انتشار الوباء المخيف.
مشكلة «التستر» الصيني كلّفت العالم ضحايا بشرية واقتصادية، إذ تم الإبلاغ عن أول ضحية رسمية لسلسلة فيروس «كورونا» في ووهان في العاشر من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، على الرغم من الأنباء عن الإصابات في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي (صحيفة «الغارديان» البريطانية 13 الشهر الجاري). ثم في 31 ديسمبر أبلغت لجنة ووهان الصحية المستشفيات عن التهاب رئوي لأسباب غير واضحة بعد بروز 27 إصابة. وأخيراً تم إبلاغ منظمة الصحة العالمية عن تفشي المرض الغامض.
في الداخل الصيني أصدر تشاو شيلين، الذي كان سابقاً أحد أفراد أعلى هيئة لاتخاذ القرارات في الصين، رسالة علنية موجهة إلى الرئيس شي في 23 فبراير «مزّق» فيها كل الضوابط الاجتماعية الصارمة والرقابة على المعلومات والأخبار التي أدت إلى سوء التعامل مع تفشي فيروس «كورونا» المدمر. وقال شيلين لشي: «إن الخسائر لا حصر لها». وأضاف: «بسبب خطأ بشري فقدنا أهم نافذة ذهبية من الوقت لمكافحة الوباء».
وهكذا سقط العالم بسبب فخ التستر الصيني في نفق ضراوة عظمى.
وبسبب التستر الصيني، فإن الركود العالمي، ربما بأبعاد قياسية صار شبه مؤكد ويمكن أن يخسر العمال في جميع أنحاء العالم ما يصل إلى 3.4 تريليون دولار كمداخيل بحلول نهاية هذا العام.
إنها المأساة التي تجعل العيون مفتوحة ليل نهار والقلوب مستنفَرة على الأعداد من البشر التي ستسقط كل دقيقة لا كل ساعة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كورونا «احتل» العالم بهوية صينية كورونا «احتل» العالم بهوية صينية



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon