توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن المصير العربى المشترك

  مصر اليوم -

عن المصير العربى المشترك

بقلم - أحمد يوسف أحمد

ناقشت يوم الخميس الماضى الأفكار المنسوبة للدكتور يوسف زيدان التى تضمنتها كلمته بمناسبة افتتاح المنتدى الذى يحمل اسمه، وملخص هذه الأفكار أن القول بأن العرب يجمعهم تاريخ مشترك ومصير واحد ومساحة جغرافية واحدة محض أكاذيب، وقد تضمنت مقالة الأسبوع الماضى تعليقاً مخالفاً لهذا الرأى فيما يتعلق بوحدة الجغرافيا العربية والتاريخ العربى المشترك، وبقى أن أُعلق اليوم على أُكذوبة المصير المشترك، فقد تساءل الدكتور زيدان فى معرض إثبات زيف الادعاء بوجود مصير عربى واحد: هل الشخص الذى يعانى اليوم فى إقليم دارفور مثل الذى يشكو الملل فى بلد خليجى لأنه استنفد المتع جميعها؟ هذا عربى وذاك عربى لكن مصيرهما ليس واحداً، ولهذا فإن العرب لا يجمعهم سوى اللغة، وهى الضامن الوحيد لبقائهم فى الزمن القادم.

وكما هو واضح فإن التحليل السابق يوظف التناقضات بين بلدان الوطن العربى لدحض فكرة المصير المشترك، وهنا لابد من التذكير بأن هذه التناقضات موجودة داخل كل بلد، فإلى جانب صاحبنا الخليجى الذى يشكو الملل لأنه استنفد المتع جميعها يوجد خليجيون كُثر يعملون ويجدون من أجل ضمان مستوى معيشة لائق وبناء نهضة حقيقية فى أوطانهم تقيهم شر ما بعد النفط، وإلى جانب صاحبنا الذى يعانى أوضاعا بالغة القسوة فى دارفور توجد نخبة فاحشة الثراء بسبب الخلل فى النظام الاقتصادى وتغول الفساد، وينطبق هذا التحليل على البلدان العربية بل بلدان العالم كافة، ولو كانت التناقضات الاجتماعية تنفى المصير المشترك لما كان للدول بدورها مصير مشترك، وقد يؤثر الظلم الاجتماعى على قوة الشعور الوطنى أو القومى لكنه لا يلغيه بدليل أن التباينات الاجتماعية كانت موجودة دائماً لكنها لم تمنع العرب من التوحد فى وجه المخاطر الخارجية كما رأينا فى المقالة السابقة، وقد تشذ فئة قليلة هنا أو هناك لكننا نتحدث عن الاتجاه العام وليس على نحو مطلق.ولا شك أن الأوضاع العربية الراهنة بالغة التردى كما يبدو من مخاطر تفكك الدول الوطنية العربية وتفاقم الإرهاب على نحو غير مسبوق واشتعال التوترات بل الصراعات الطائفية والعرقية وبلوغ الاختراق الخارجى للوطن العربى ذروته إقليمياً وعالمياً وتغول الكيان الصهيونى على أرض فلسطين وشعبها، ولا تتناقض هذه الأوضاع المتردية بحال مع فكرة المصير المشترك، ذلك أن ما يعم الوطن العربى من ظواهر سلبية يصيب الجميع بأضرار فادحة أو يهدد بذلك، فقد يتصور البعض أن الخطر الداهم الذى يتهدد الدولة الوطنية فى بلدان عربية مهمة كالعراق وسوريا واليمن وليبيا محصور فى هذه البلدان، غير أن الخبرة تحدثنا عن «أثر الانتشار» فما يحدث فى الدولة اليوم يمكن أن يمتد إلى الدولة غداً، ولو أدركت الدول العربية التى تحاول زعزعة الاستقرار فى هذه الدولة العربية أو تلك أن هذا السيف يمكن بسهولة أن يرتد إلى نحرها لما فعلت، ولست بحاجة إلى الحديث عن امتداد سرطان الإرهاب من بلد عربى لآخر والتهديد الفادح الذى يمثله لهذه البلدان كما أن مخاطر الهيمنة الخارجية على البلدان العربية لا تخفى على أحد، وعبر التاريخ بما فى ذلك الحقبة المعاصرة كانت التحديات تتجه إلى المنطقة ككل ولا تُواجَه إلا على نحو جماعى فتنجح المواجهة إذا أُحسن التخطيط لها كما حدث فى حرب أكتوبر 1973 وتفشل إذا تمت على نحو عشوائى كما فى حرب فلسطين الأولى 1948.

لا ينبع المصير المشترك إذن من وحدة الرؤى وقوة العلاقات التعاونية فقط وإنما ينبع كذلك من أوضاع بنيوية ينظر الآخرون لنا بموجبها على أننا كل لا يتجزأ ويحاولون تشكيل أوضاعنا بما يلائم مصالحهم، كما فى الخطط الشرق أوسطية لصياغة مستقبل المنطقة، فإن استسلمنا لمحاولاتهم ضعنا كما حدث فى الحقبة الاستعمارية وإن قاومنا هذه المحاولات كانت الصحوة كما حدث فى مرحلة التحرر العربى عقب الحرب العالمية الثانية وحتى عدوان 1967، ولم تقم للعرب قائمة بعد الهزيمة فى تلك السنة إلا عندما قدموا نموذجاً غير مسبوق للعمل العربى الجماعى فى مواجهة التحديات، وهذا بالتحديد ما يجعلنا نعض بالنواجذ على ما يجمع بيننا لأن التفرق والاختلاف فى مواجهة التحديات هو أسهل الطرق إلى الضياع بينما يكون التوحد هو الطريق الآمن إلى المستقبل الأفضل، ويلاحظ أن التحليل السابق قد ركز على قضايا ذات طابع أمنى استراتيجى بينما يوجد بالإضافة إلى ذلك «المصير الاقتصادى المشترك» إذا جاز التعبير، فلا حل مضموناً لمشكلات التنمية العربية إلا فى إطار جماعى ولنأخذ مسألة الأمن الغذائى مثالاً فتحقيقه لكل بلد عربى على حدة مستحيل بينما يمكن الوصول إليه فى إطار خطة عربية شاملة، وقد يقول قائل إن الأوضاع الراهنة شديدة السوء وتتطلب عملاً مضنياً إذا ما أردنا النجاح لكن السؤال الاستراتيجى يتعلق بالهدف،

فعندما يصيب مرض عضال عزيزاً لديك لا يتعلق السؤال بصعوبة علاجه ولكن بضرورة العمل على شفائه، ولذلك فإن الموقف العربى الراهن لا يتطلب النواح على المصائب التى ألمت بنا وإنما العمل على إزاحتها.

يبقى أخيراً أن الدكتور يوسف زيدان شدد مشكوراً على أهمية اللغة كجامع للعرب باعتبارها «الضامن الوحيد لبقائهم فى الزمن القادم»، وليسمح لى بتعديل طفيف لكنه ضرورى فى الصياغة باستبدال كلمة الضرورى بكلمة الوحيد فعلى الرغم من أهمية اللغة لن تضمن وحدها بقاء الحقيقة العربية فى ظل أفكار تنكر كل ما يجمع بين العرب غير اللغة، ففى هذه الحالة لن يكون للغة العربية من أثر جامع للعرب أكثر من أثر اللغة الإنجليزية فى الجمع بين من يتحدثون بها من سكان المستعمرات البريطانية السابقة وبين مستعمريهم فى زمن بغيض.

نقلا عن الاهرام القاهريه

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن المصير العربى المشترك عن المصير العربى المشترك



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon