توقيت القاهرة المحلي 12:48:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تأملات فى المشهد العربى الراهن

  مصر اليوم -

تأملات فى المشهد العربى الراهن

بقلم - أحمد يوسف أحمد

صدر أخيرا عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت تقريره السنوى عن حال الأمة العربية لعام 2018/2017يحمل عنوان «عام الأمل والخطر»، ولقد اختار محررا التقرير (د. نيڤين مسعد وكاتب هذه السطور) هذا العنوان انعكاساً لجملة من المؤشرات المتضاربة التى طرأت على الأوضاع العربية فى النطاق الزمنى للتقرير، فمن ناحية كانت هناك مؤشرات إيجابية تمثلت فى صمود الدولة الوطنية العربية كما بدا من سيطرة الدولة السورية على معظم الإقليم السورى, مع الوعى بأن هذا لا يعنى تأييد معادلة الحكم التى يمثلها النظام السوري، كذلك الحال بالنسبة للعراق الذى تمكن من تصفية دولة الإرهاب التى تجاوزت السنوات الثلاث عمراً منذ إعلانها من الموصل فى يونيو 2014 - وامتدادها لاحقاً إلى الأراضى السورية نذيراً بأن الإرهاب قد تحول للمرة الأولى فى تاريخه المعاصر فى المنطقة إلى حقيقة إقليمية - وحتى القضاء عليها أواخر العام الماضي، ويُضاف إلى ذلك تجاوز العراق أزمة انفصال إقليم كردستان بسلاسة غير متوقعة، وكانت هذه التطورات وغيرها كالإنجازات التى حققها الجيش الليبى الوطنى دليلاً على صحة المنطق الذى رفض الاستسلام لمقولة إن مصير الوطن العربى قد آل نهائياً إلى تفكك الدولة الوطنية إلى شظايا صغيرة تحقق أهداف مخططات الموجة الثانية لتفتيت الوطن العربى بعد سايكس - بيكو.

غير أن هذه التطورات الإيجابية لم تمثل نهاية المطاف ومن هنا الخطر، ذلك أن استعادة الدولة السورية عافيتها بالكامل مازالت هدفاً عسير التحقيق نتيجة الملابسات التى أحاطت بالصراع حول سوريا والتى أدت إلى غابة من التدخلات الإقليمية والدولية التى تريد الآن أن تحصد الثمار, ناهيك بالأعباء الهائلة لإعادة الإعمار، كذلك فإن تعقيدات الوضع فى العراق غير خافية لكن ما تحقق فى معركة الحفاظ على كيان الدولة الوطنية يبقى بالغ الأهمية والدلالة، أما المظهر الفادح للخطر فتمثل فى تطورات سياسة ترامب تجاه الصراع العربى - الإسرائيلى وأخطرها اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها فى استخفاف كامل بالفلسطينيين والعرب وإشارة إلى هيمنة اليمين الأمريكى المتصهين على القرارات المتعلقة بذلك الصراع, بما ينذر بالمزيد من القرارات المماثلة وهو ما بدا واضحاً، سواء فى السلوك الأمريكى فى الأمم المتحدة أو فى خزعبلات الإعداد لما يُسَمى بـ«صفقة القرن»، ولا يقل خطورة عن ذلك إدراك إسرائيل مغزى هذا السلوك الأمريكى فتمادت على نحو غير مسبوق فى اتخاذ كل ما كانت تتمناه من خطوات تغول فادح على حقوق الفلسطينيين المتمسكين بأرضهم فى محاولة لتصفية القضية الفلسطينية بالكامل وآخرها ما سُمى بقانون الدولة القومية، غير أن الأخطر من كل هذا كان رد الفعل العربى والفلسطيني، فقد أدت الظروف العربية الراهنة إلى اقتصار ردود الفعل على المستوى اللفظى والاكتفاء برفض القرار دون أى محاولة للضغط من أجل تغييره أو حتى تعديله، أما رد الفعل الفلسطينى فقد مثل ثالثة الأثافى كما يقولون، ولقد قام الشعب الفلسطينى بأقصى ما فى وسعه من تحركات جماهيرية وآليات نضالية مبدعة كعادته، لكن النخبة الفلسطينية الحاكمة، سواء فى الضفة أو غزة فشلت فى إنجاز أخطر المهام الاستراتيجية المطلوبة منها وهو تحقيق وحدتها الوطنية. صحيح أن السلطة الفلسطينية قد اتخذت قراراً سليماً بمقاطعة الولايات المتحدة فى أى مساعٍ للتسوية طالما بقى قرار القدس لكن هذا لا يكفي، لأن الحديث عن إطار دولى آخر لإحياء التسوية وهم، فلا توجد قوة غير الولايات المتحدة قادرة على إجبار إسرائيل على قبول تسوية متوازنة، ومن ثم فإن المخرج الوحيد ليس البحث عن رعاة آخرين لعملية التسوية وإنما تحقيق وحدة وطنية تُمَكن الفلسطينيين من وضع استراتيجية فاعلة للنضال الوطنى تحدد الأهداف والوسائل وتسعى لتغيير ميزان القوى فى الصراع بما يُفضى إلى تسوية متوازنة، وهو ما فشلت فيه النخبة الفلسطينية حتى الآن رغم كل ما قدمه الشعب الفلسطينى من تضحيات.\ وقد ازدادت مؤشرات الخطر مؤخراً بسلسلة من الحركات الاحتجاجية شملت عدداً من البلدان فى مشرق الوطن العربى كالأردن والعراق ومغربه كالمغرب والجزائر، ويلاحظ أن هذه البلدان لم تكن بين تلك التى تعرضت لأعاصير الربيع العربى كتونس ومصر واليمن وليبيا، وحتى فى الحالات التى حدثت فيها تحركات مهمة كالمغرب والأردن استجابت السلطة لهذه التحركات بطريقة رشيدة ولو نسبياً بما مكن من تفادى التداعيات الخطيرة التى حدثت لاحقاً فى الحالات السورية واليمنية والليبية، والسمة العامة لهذه الحركات الاحتجاجية سمة مطلبية فهى تشكو عموماً من أوضاع اقتصادية - اجتماعية جائرة تراوحت ردود فعل السلطات المعنية إزاءها بين التفهم والاستجابة ولو النسبية والرفض والقمع، لكن أياً من ردود الفعل لم ينجح حتى الآن فى إيجاد حلول جذرية لما تشكو منه هذه الاحتجاجات التى كشفت عن الجوهر الحقيقى للصراعات فى بلدانها.

فقد كشفت احتجاجات العراق على سبيل المثال أن الغطاء الطائفى لما يجرى فيه ليس سوى قشرة تحيط بتناقضات اجتماعية حقيقية ومعادلات سياسية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالديمقراطية, وأن شيعة العراق كسنته يعانون أوضاعا لم يعد ممكناً السكوت عليها، ويتعين على السلطات المعنية فى هذه البلدان أن تستوعب جيداً دروس ما عُرف بالربيع العربي، وأنه كان من الممكن تجنب انتفاضاته وتداعياته لو تمت استجابة معقولة لمطالب الطبقات المطحونة وأن الفشل فى الاستجابة السليمة لمطالب هذه الطبقات قد كبد الأوطان تكلفة فادحة أمنياً وسياسياً واقتصادياً مازال بعضها غير قادر على الفكاك منها حتى الآن، فهل تستوعب السلطات المسئولة فى بلدان الاحتجاجات الجديدة دروس الخبرة الماضية، أم أنه كُتِب علينا أن نكون فاقدى القدرة على التعلم وأن نُلدغ من الجحر نفسه عديداً من المرات؟

نقلا عن الاهرام القاهريه

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تأملات فى المشهد العربى الراهن تأملات فى المشهد العربى الراهن



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon