بقلم - أحمد يوسف أحمد
فى اتصال هاتفى مساء الأحد الماضى بين الرئيس التركى وفايز السراج نُسِب لأردوغان تصريح بأن تركيا ستسخر كل إمكاناتها لمنع المؤامرة على الشعب الليبى، وأنه يقدر دور حكومة الوفاق فى مواجهة العدوان وأن بلاده تندد بالاعتداء على طرابلس وتستنكر المؤامرة التى تُحاك على ليبيا واستقرارها، وأوضح أن تركيا ستقف بكل حزم إلى جانب الليبيين وستدعم الحكومة الشرعية المتمثلة فى حكومة الوفاق الوطنى، وشدد على أن المسار السياسى هو المسار الوحيد لبناء الدولة المدنية التى يتطلع إليها كل الليبيين.
وقبل تقديم بعض الملاحظات على هذه التصريحات لابد من تفنيد بعض المفاهيم التى ابتُذلت كثيراً فى سياق الصراع الدائر فى ليبيا، وأولها الحديث عن حكومة السراج, وهى بالتأكيد ليست حكومة وفاق وطنى, باعتبارها الحكومة الشرعية لمجرد أنها تستند فى نشأتها إلى اتفاقية الصخيرات التى يوجد إجماع على أنها لا تتمتع بوفاق وطنى والأهم أنها لم تحظ أبداً بثقة مجلس النواب المعترف دولياً بأنه يمثل الشعب الليبى بموجب انتخابات حرة، بينما الحكومة التى تحظى بهذه الثقة تُنزع عنها صفة الشرعية، وثانى المفاهيم المبتذلة هو تكييف الصراع باعتباره صراعا بين أنصار الدولة العسكرية وأنصار الدولة المدنية، والمفارقة أن الجيش الوطنى الليبى يُكَيف وفقا لهذا المفهوم باعتباره ممثلاً للفريق الأول مع أنه يمثل مجلس النواب الليبى والحكومة المنبثقة عنه، بينما تُعَد الحكومة المستندة إلى الميليشيات الإرهابية هى نصيرة الدولة المدنية، أما المفهوم الثالث فهو الحديث عن مؤامرة دبرتها قوى الثورة المضادة والاستبداد العربى بالتواطؤ مع فرنسا، ولا شك أنه من المضحك استخدام هذا المصطلح بينما تكاد المواقف الدولية تشهد إجماعا على أن الجيش الليبى يقوم بعمل جاد ومهم لمحاربة الإرهاب فى ليبيا، وفى ظل الاستقطاب الدولى الراهن تبدو عملية الجيش الليبى فى طرابلس هى الوحيدة التى نجت من هذا الاستقطاب بتأييد روسى وأمريكى ناهيك بقوى عربية وازنة وعدم إصدار مجلس الأمن أى قرار أو حتى بيان بإدانة العملية رغم سهولة إيجاد المبررات لمن يريد.
ولعل أولى الملاحظات على تصريحات أردوغان يتعلق بتوقيتها، فهى تأتى فى وقت شديد الكرب بالنسبة للرجل ونظامه، إذ أنه بالإضافة للصعوبات الداخلية الاقتصادية والسياسية المعروفة تلقى ضربة موجعة فى الانتخابات البلدية الأخيرة بخسارتها فى أهم المدن التركية وعلى رأسها اسطنبول وأنقرة، وعلى الصعيد الإقليمى سقط نظامه المفضل فى السودان الذى منحه سواكن على طبق من ذهب ليضيف هزيمة جديدة للمشروع الذى يحاول من خلاله أن يعيد أمجاد الدولة العثمانية، أما دولياً فله خلافاته الحادة مع الولايات المتحدة حليفته الأطلنطية حول أكراد سوريا وصفقة الصواريخ الروسية، ومع روسيا بشأن إدلب، ولهذا كله لا يُستغرَب أن يفقد أردوغان أعصابه وهو يتابع تقدم الجيش الوطنى الليبى، والملاحظة الثانية ألا جديد فى تصريحات أردوغان من حيث السياسة العامة، فقد سارعت تركيا إلى الانحياز لتيارات ما يُسمى بالإسلام السياسى فى ليبيا بمجرد سقوط نظام القذافى، ولم تكتف بالتأييد اللفظى وإنما دعمت الفصائل الإرهابية التى تنسب نفسها زوراً إلى الإسلام، غير أنه على العكس من الحالتين السورية والعراقية اللتين سمحت فيهما الحدود المشتركة بتدخل عسكرى مباشر لم يكن بمقدور تركيا أن تتدخل فى الحالة الليبية إلا على نحو غير مباشر بدعم الفصائل التى تتحرك فى فلك مشروعها بالسلاح، وحالات ضبط السلطات الليبية لسفن قادمة من تركيا حاملة الأسلحة والعتاد للفصائل الإرهابية متكررة كان آخرها فى يناير الماضى، وهو ما تنكره تركيا وأتباعها، غير أن الله شاء أن يفضح هذه الممارسات فى يناير2018 عندما أوقفت السلطات اليونانية باخرة ترفع علم تنزانيا قادمة من تركيا محملة بشحنة كبيرة من المواد المتفجرة وعشرين ألف رشاش مخبأة وسط مواد منزلية وألعاب أطفال فى طريقها إلى ليبيا، ويتسق هذا مع نمط الزيارات المتبادلة المتكررة بين المسئولين فى حكومة السراج ونظرائهم الأتراك حيث كان الاتفاق تاماً على دعم تركيا حكومة السراج وتعزيز التعاون بينهما وعلى رأسه التعاون الأمنى والعسكرى.
ما الجديد إذن فى تصريحات أردوغان طالما أن سياسته الداعمة للميليشيات الإرهابية ثابتة؟ وهل يصل معنى الوقوف بكل حزم إلى جانب حكومة السراج إلى حد التدخل العسكرى كما أفاد يوسف كاتب أوغلو المندوب الدائم لنظام أردوغان فى الفضائية البريطانية مساء الإثنين الماضى؟ من المعروف أن التدخل العسكرى نوعان: مباشر وغير مباشر والنظام التركى يمارس النوع الثانى منذ بدأ الصراع فى ليبيا فهل يصل الأمر إلى التدخل العسكرى المباشر كما قال يوسف أوغلو؟ يستبعد التحليل الرشيد هذا الاحتمال تماماً لأسباب موضوعية، فقد وقعت حالات التدخل التركى المباشر فى الصراعات التى تدور على أرض سوريا والعراق فى ظروف مختلفة جذريا، فهناك أولا الاتصال الجغرافى المباشر الذى يُسَهل التحركات العسكرية ويقدم الذرائع الأمنية لمن يريد، غير أن الفارق الأهم أنه لم تكن هناك قوة عربية قادرة ولا قوة دولية راغبة فى ردع التدخل التركى، وهو وضع مغاير للحالة الليبية حيث تمتلك مصر القدرة على الردع، ولغير المتخصصين أشير إلى أن قوة الردع لا تعنى التدخل المباشر ولكنها تعنى أن الخصم يُدخلها فى حساباته قبل أن يُقدِم على التدخل، وأخيراً فإن مجلس الأمن الذى يحظر إمداد أطراف الصراع بالسلاح لا يمكن أن يتسامح مع تدخل عسكرى مباشر، غير أن أحد صعوبات التنبؤ فى التحليل السياسى أنه يفترض الرشادة فى تصرفات صانعى القرار فماذا لو أصابهم الجنون؟ ينبغى التحسب لهذا الاحتمال رغم استبعاده، وهنا أؤكد أن مصر دون تدخل عسكرى مباشر مضاد قادرة على إعادة المجانين إلى صوابهم.
نقلا عن الاهرام القاهريه
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع