توقيت القاهرة المحلي 08:55:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سبع سنوات من الثورة

  مصر اليوم -

سبع سنوات من الثورة

بقلم - أحمد يوسف أحمد

 تمر اليوم سبع سنوات بالتمام والكمال على ثورة يناير، فهل نستطيع النظر إليها اليوم بطريقة أكثر موضوعية عن سنوات مضت؟ والواقع أن الموضوعية فى تقييم القضايا الكبرى فضيلة غائبة عادة، وليس الأدل على هذا من الأمس القريب حين احتُفل بالذكرى المئوية لميلاد جمال عبد الناصر فإذا ببعض أنصاره لا يرون فى مسيرته خطأً واحداً وإذا بخصومه الألداء لا يكتفون بالحديث عما يعتبرونه أخطاءه الفادحة المدمِرة، وإنما ينكرون عليه أوضح الإنجازات وأعظمها بل وينسبون إلى حكمه المسئولية عما نعانى منه الآن بعد قرابة نصف القرن على رحيله، ولم تنج ثورة يناير بطبيعة الحال باعتبارها حدثاً استثنائياً فى التاريخ المصرى من غياب الموضوعية فى تقييمها بين من يراها ثورة شعبية أصيلة لها أسبابها البنيوية الواضحة فى النظام الذى انقضت عليه مع إنكار أى دور خارجى مهما كان صغيراً فى مجرياتها، ومن لا يرى فيها سوى مؤامرة خارجية بفعل قوة عظمى أو كبرى أو أكثر فى إطار مؤامرة لوضع رؤية جديدة لهذه القوى موضع التطبيق دون اعتبار لإرادة الشعب المصري. والواقع أن أى إنكار لأصالة ثورة يناير وتجذر عواملها يجافى الحقيقة، ذلك أن الثورة تفجرت ضد نظام تكلست قياداته على مدار قرابة ثلث القرن بل وشاع الحديث وتعددت مؤشراته على نيات «ملكية» لتوريث الحكم، واختلطت السلطة بالثروة فيه على نحو فج، وتجاهلت سياساته اعتبارات العدالة الاجتماعية على نحو صارخ دون أن نشير إلى الأداء الكسيح لسياسة خارجية لدولة كانت يوماً رمزاً للقيادة العربية والفاعلية الإقليمية، بل وكان لها تأثيرها على الساحة العالمية، ومما يؤكد هذا التحليل أن مؤشرات الانتفاض على هذا النظام لم تتعدد فحسب وإنما أخذ منحناها فى الصعود كماً وكيفاً عبر الزمن حتى كان الكثيرون ممن لا يدركون صعوبات خلخلة النظم القائمة يتوقعون سقوط نظام مبارك قبل نهاية القرن الماضي، ومع ذلك فقد سادت ظاهرة العمى الكامل للإدراك التى تصيب النظم المتكلسة حتى اللحظات الأخيرة، كما انعكس بوضوح فى القول الشهير «خليهم يتسلوا» وكذلك فى التصريحات اليقينية بأن «مصر ليست تونس» قبل أيام قليلة من الانفجار، بل لقد ظل هذا العمى سائداً حتى بعد بداية الثورة بدليل توهم أن عملاً كمعركة الجمل كان كفيلاً بإنقاذ النظام مع أنه ضيع الفرصة الأخيرة لنجاته بعد الخطاب الأخير العاقل لمبارك.

ومن ناحية أخرى فإن ما سبق لا يعنى غياب أى دور لأصابع خارجية فى تفجير الأحداث أو استغلالها لأن «الخارج» كان معنياً بمصر بحكم وزنها الإقليمى ومن ثم بانعكاس أى تطورات محتملة فيها على المنطقة بأسرها سواء من منظور الأمن الإقليمى وبالذات السلام بين مصر وإسرائيل أو احتمالات بزوغ نظم معادية للغرب، وهكذا كانت الولايات المتحدة وغيرها مهمومة كالشعب المصرى بمستقبل نظام مبارك وإن من منظور مختلف تماماً بعد أن بدا لها أن تكلس هذا النظام ونمو الحركات المعارضة له يهدد بسيناريو «إيرانى» محتمل فى مصر، وقد حضرت حلقة نقاشية مغلقة فى المجلس الأمريكى للشئون الخارجية فى 1992 طُلب منى فيها أن أُعلق على ورقة أعدها أحد المسئولين بالخارجية الأمريكية عن الشرق الأوسط عن مستقبل دور مصر الإقليمى وإذا بالنقاش ينجرف إلى مستقبل نظام مبارك، وكان الحاضرون يجمعون بين رجال الدبلوماسية والدفاع والمخابرات والإعلام والأكاديميين، واستُقطب النقاش بين من يرون ضرورة تدعيم نظام مبارك تجنباً لظهور نظام «خومينى» آخر فى مصر لن تحتمله المصالح الأمريكية وبين ضرورة الضغط عليه من أجل إصلاح حقيقى حتى لا يتكرر سيناريو الثورة الإيرانية الذى أضر بالمصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط ضرراً بالغاً، وقد ذكرت هذه الواقعة لأدلل على مدى تجذر الاهتمام الأمريكى بما يجرى فى مصر، وأحسب من التطورات اللاحقة فى السياسة الأمريكية أن الخيار استقر على محاولة إصلاح نظام مبارك من ناحية ومد الجسور مع القوة التى كانت الإدارة الأمريكية آنذاك وحتى نهاية رئاسة أوباما على الأقل مقتنعة بأنها القوة المعارضة الأقوى فى مصر وهى «الإخوان المسلمين»، ولا بأس من تدريب شباب مصريين على أعمال الاحتجاج سعياً لزيادة الضغط على النظام، ومن المؤكد أن المخطط الأمريكى لم يكن يريد إحداث «ثورة» وإنما الضغط على مبارك لإجراء إصلاحات تتضمن إشراك المعارضة فى الحكم وعلى رأسها جماعة الإخوان بدليل امتناع أوباما عن دعم الثورة فى البداية إلى أن تأكد من انتصارها وكذلك بدليل دعم حكم الإخوان بل ومناصبة نظام يونيو العداء لاحقاً.

هكذا فإن التحليل الموضوعى لابد وأن يرى العوامل الداخلية والخارجية معاً مع إعطاء الوزن النسبى الصحيح لكل منهما والذى يشير كمبدأ تحليلى عام أن للعوامل الداخلية الوزن الأكبر والأهم وهو ما حدث بامتياز فى ثورة يناير، بدليل أنه عندما انحرف مسار الثورة عن مسارها الأصيل بسيطرة «الإخوان المسلمين» على الحكم لم يستغرق الأمر من الشعب المصرى أكثر من عام حتى ثار مجدداً فى هبة شعبية غير مسبوقة ضد حكمهم وتمكن من تصحيح المسار، والآن أصبح من المألوف الحديث عن أضرار الثورة، وبطبيعة الحال فإن أعظم الثورات ومنها الثورة الفرنسية كان له أضراره الفادحة أحياناً، وبالتالى فإن ثورة يناير ليست استثناءً من حركة التاريخ لكن المؤكد أنه عندما يُكتب تاريخها بعد مائة عام مثلاً سوف يذكر التاريخ بالفخر أن الشعب المصرى نفض بثورته هذه غبار الاتهام بالخنوع والذلة، وأنجز حركة ثورية أصيلة ضد نظام تكلس على مقاعد السلطة وتحالف مع مراكز الثروة واستخف بشعبه فاستحق مصيره وإن طال به الزمن.

نقلا عن الأهرام القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سبع سنوات من الثورة سبع سنوات من الثورة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon