توقيت القاهرة المحلي 05:23:31 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الثقافة فى مواجهة التطرف

  مصر اليوم -

الثقافة فى مواجهة التطرف

بقلم - أحمد يوسف أحمد

 أشرت فى مقالة الأسبوع الماضى إلى مشاركتى فى المؤتمر الرابع لمواجهة التطرف الذى نظمته مكتبة الإسكندرية فى الأسبوع الماضى وكيف اخترت فى الجلسة الخاصة بالرؤى السياسية للتطرف أن أتحدث عن استراتيجية شاملة للمواجهة تخيرت منها أبعادها السياسية والدينية والثقافية وأرجأت الأخير إلى هذه المقالة، ولا شك فى الأهمية البالغة لدور الثقافة بمعناها الشامل فى هذه المواجهة لسبب بسيط وهو أن الثقافة السوية هى التى تقدم المقابل الموضوعى للمحتوى الشائه للحياة الذى يطرحه التطرف علينا ديناً ودنيا، فهى تقدم لنا من خلال أشكال مختلفة القيم الإيجابية فى حياتنا من فهم صحيح للدين ووطنية وتسامح واحترام للآخر وهكذا، وهى بذلك تخلق النفس السوية المحصنة ضد الرؤى المتطرفة وتعززها بمزيد من الإبداع الثقافي، والمهم فى هذا الإبداع ألا يكون نخبوياً فحسب وإنما أن يصل إلى المواطن العادي، واستشهدت فى هذا الصدد بأيام طه حسين. ذلك العمل الأدبى الرائع الذى أرخ لعديد من معارك التنوير المصرية لكن تأثيره اقتصر على من قرأه من النخبة المثقفة أو طلاب المدارس إلى أن قُدر له أن يخرج فى مسلسل مرئى رائع وصل تأثيره إلى بسطاء المصريين كافة، والأمر نفسه ينطبق على رائعة بهاء طاهر «خالتى صفية والدير» ومغزاها الرائع بالنسبة للوحدة الوطنية المصرية فضلاً عما يمكن تسميته بالأدب التليفزيونى كما فى العمل الموسوعى لأسامة أنور عكاشة «ليالى الحلمية» الذى قدم بانوراما للحياة المصرية على مدى عهود من شأنها تعميق روح الانتماء لكل من يشاهدها ناهيك بمواجهتها البارعة لظاهرة التطرف فى ثنايا العمل، فليست مسئولية الأعمال الثقافية إذن أن تطارد الأفكار المغلوطة الشريرة والتافهة أساسا وإنما أن تقدم صورة الحياة ومنظومة القيم السوية لكى تكون حائط الصد الذى تتكسر أمامه أعتى موجات التطرف.

ولقد أدرك عبد الناصر هذه الحقيقة بوعى تام فلم يكن مشروعه سياسياً اجتماعياً اقتصادياً فحسب وإنما كان له بعده الثقافى الواضح، وهكذا فإن انتصاره على مشروع «الإخوان المسلمين» لم يأت فحسب من سجنهم أو من إجراءات العدالة الاجتماعية التى أقدم عليها فور نجاح ثورته أو من معارك استخلاص الاستقلال الوطنى الناجحة التى خاضها أو من الجهود الخارقة من أجل تنمية حقيقية وإنما ساند هذه الأبعاد بعد ثقافى بارز يظهر أهمية الإرادة السياسية فى أن يكون لك مشروع ثقافى حقيقي، ومن يقرأ فى مذكرات ثروت عكاشة أعظم وزراء ثقافة مصر ملابسات تكليف عبد الناصر له بوزارة الثقافة وتحفظات عكاشة وشروطه كى يتولى المنصب وإطلاق عبد الناصر يده فى هذه المهمة النبيلة لابد وأن يدرك أن نجاح المشروع الثقافى الذى قاده هذان الرجلان كان حتمياً، ومن بين الجوانب المضيئة الكثيرة لهذا المشروع أتوقف عند مشروع تكوين فرقة باليه مصرية استُقدم لها خيرة المدربين السوڤيت إلى أن قدمت عرضها الأول وحققت نجاحاً هائلاً فإذا بالوزير العاشق للثقافة يسارع إلى مهاتفة عبد الناصر طالباً منه أن يحضر لرؤية «أولاده» فتكون المفاجأة أن يحضر بالفعل فى اليوم التالى مباشرة، وتظهر الصور مدى سعادته بما تم، وتكون المفاجأة الأكبر أن تصدر الأوامر بتقديم الفرقة عروضها فى أسوان حيث بناة السد العالى من المهندسين والعمال والفلاحين، ويُصاب أعضاء الفرقة بالذهول من نوعية جمهورهم الجديد لكنهم يقدمون عروضهم بالنجاح ذاته، وتقول ماجدة صالح الباليرينا الأولى فى الفرقة أن أكبر إطراء لها جاءها من نوبى عجوز تسلل إلى قاعة العرض بعد أن فرغت إلا منها ومنه وقال لها «ياسلام ياست! إيه الجمال ده؟» وهو أكبر دليل على خرافة أن الثقافة الرفيعة لا تلائم البسطاء وعلى أن المبدع صلاح جاهين لم يكن يهذى عندما كتب «تماثيل رخام عالترعة وأوبرا».

تدهورت الأمور بعد ذلك أيما تدهور، وغزت المجتمع المصرى تيارات متخلفة بدعوى الدين ووصل الأمر إلى القول بأن 96% من ميزانية الوزارة يلتهمه بند المرتبات والأجور، وتوقعت أن تقوم الدنيا ولا تقعد فلم تقم أصلاً، وفى جلسة «الثقافة والتقدم» التى افتُتِح بها المؤتمر تحسر الفنان أشرف زكى على ما آل إليه حال مسارح الإسكندرية وإن زف إلينا بشرى أن عملاً يجرى التخطيط له بالاشتراك مع مكتبة الإسكندرية لإعادة الحياة إلى مسارحها، وأُضيف أن السينما تحتاج بدورها نقلة نوعية لا فيما يتعلق بدور العرض فحسب وإنما أيضاً من منظور إنتاج الأفلام التى من شأنها تعزيز قيم الوطنية والتسامح والحرية والتنوير بدلاً من سيل الأفلام شديدة التفاهة وأحياناً البذاءة التى يصطدم المرء بإعلاناتها رغم أنفه فى فضائيات تليفزيونية عديدة بينما تاريخ مصر حافل بقصص أبطال ومعارك وحروب من شأن معالجتها سينمائياً على نحو إبداعى أن يهزم أى أفكار متخلفة متطرفة مهما كانت، فأين ذلك الفيلم الذى يليق بحرب أكتوبر أو بشهيد عظيم كعبد المنعم رياض أو إبراهيم الرفاعي، بل لقد ضربت مثلاً فى الحوار بقصة البطل المصرى العقيد رءوف محفوظ الذى كان قائد موقع شرم الشيخ إبان العدوان الثلاثى فى 1956، وعندما صدرت الأوامر بالانسحاب من سيناء استأذن قيادته فى أن يحارب لأخر طلقة فأذنت له ولم يسقط موقعه إلا بعد وقف إطلاق النار. أفلا يستحق هذا البطل ورجاله عملاً يخلد بطولاتهم ويعزز قيمة الوطنية التى يستخف بها المتطرفون خاصة وأنه وقائد أركان كتيبته مسيحيان مصريان ذابا فى حب مصر وكان آخر عمل لهما فى المعركة هو رفض تسليم صورة عبد الناصر الموجودة بالموقع للقائد الإسرائيلي. مازال أمام الثقافة إذن دور كبير تلعبه فى مواجهة التطرف كما فعلت من قبل، وتتحمل الدولة مسئولية خاصة فى هذا الصدد.


نقلا عن الاهرام القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثقافة فى مواجهة التطرف الثقافة فى مواجهة التطرف



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon