بقلم - أحمد يوسف أحمد
تواصل مكتبة الإسكندرية بإيقاع تُحسَد عليه أداء رسالتها السامية والاضطلاع بمهامها المتميزة بقيادة الدبلوماسى البارع والمفكر الكبير الدكتور مصطفى الفقي، وقد تجلى عطاؤها هذا الأسبوع بانعقاد المؤتمر الرابع لمواجهة التطرف الذى افتتحه الدكتور الفقى الأحد الماضى وامتدت أعماله إلى الثلاثاء وجمع مئات المثقفين من جميع أنحاء العالم على نحو لافت فقد مُثلت فيه إحدى عشرة دولة عربية أى نصف الدول العربية، كما شارك فى المؤتمر مثقفون من أربع دول أوربية مهمة هى ألمانيا وإيطاليا والبرتغال والمملكة المتحدة، ويلاحظ أن هذه البيانات تخص الذين قدموا أوراقاً فى المؤتمر أو رأسوا جلساته لأن وفداً صينياً على سبيل المثال قد شارك فيه وكذلك باحث من الصومال، ومن المرجح أن ثمة مزيدا لم ألحظه لاستحالة المشاركة فى جميع الجلسات كما سيجىء، وقد غطت جلسات المؤتمر الذى بدأ بجلسة عامة رائعة عن الثقافة والتقدم رأسها الدكتور جابر عصفور ثم تفرع على مدى أيامه الثلاثة إلى جلسات متوازية غطت كافة أبعاد الموضوع فتناولت كل ما يتعلق بتجليات الفن والأدب فى مواجهة التطرف دون أن تُغفل دور المؤسسات الثقافية ناهيك بجلسات خُصصت للأبعاد الإعلامية والقانونية وجدليات القوة الناعمة والأمن والرؤى السياسية والمواجهة الفكرية للتطرف وقد مكنت جلسات المؤتمر المتوازية هذه من الاستغلال الأمثل للوقت وإن حرمت المشاركين من الاستفادة من الجلسات كافة، ولا شك أن مناقشات المؤتمر التى اتسمت بالموضوعية واحترام الرأى الآخر قد قدمت إضافة رفيعة إلى التراكم المعرفى المتعلق بظاهرة التطرف على نحو يرفد جهود مكافحته بمحتوى رصين يمثل قاعدة لا غنى عنها لأى استراتيجية جادة لمواجهته. وقد أحسن منظمو المؤتمر الظن بى فكلفونى بالحديث فى الجلسة المخصصة للرؤى السياسية للتطرف فحصرت حديثى فى رؤى مكافحته وبدأت بتأكيد المبدأ السليم بأن هذه المكافحة لا يمكن أن تكتمل إلا بإستراتيجية شاملة اخترت من أبعادها ثلاثة أولها سياسى والثانى دينى والثالث ثقافي، وفى البعد السياسى أكدت أن البنية السياسية الحزبية الصحية هى خير بيئة لمكافحة التطرف غير أن بنية الأحزاب المصرية بالغة الضعف للأسف.
وعلى الرغم من أن ثمة قيوداً سياسية وأمنية يمكن أن تكون مسئولة عن ذلك فإن القوى السياسية لابد أن تتحمل المسئولية فى تأسيس بنية حزبية قوية مهما تكن الصعاب خاصة أن ثمة ظواهر فى الحياة الحزبية لا يمكن تفسيرها بالقيود المفروضة عليها وحدها وإلا فما الذى يفسر الانشقاقات الهائلة التى ضربت الائتلافات الشبابية لثورة يناير.
وكذلك تلك التى مزقت أحزاباً بعينها يُفترض أن أيديولوجية واحدة تجمعها، وذكرت بأن مصر عرفت ظاهرة الانشقاقات الحزبية هذه للأسف منذ ما قبل ثورة يوليو، ومن ناحية أخرى أشرت إلى البعد الخارجى فى إذكاء التطرف والأمثلة كثيرة ومهمة فى هذا الصدد كتحالف الولايات المتحدة مع «القاعدة» ضد الاتحاد السوڤيتى فى أفغانستان ونشأة «داعش» فى العراق كنتيجة لسياسات الاحتلال الأمريكى المتمثلة فى تفكيك الدولة والمجتمع فيه، وخَلُصت إلى أن المواجهة السياسية للتطرف لا يمكن أن تكتمل إذن دون بنية حزبية قوية وتصدٍ للتدخل الخارجى وليس المطالبة به كما حدث فى الحالة الليبية التى تعانى تداعيات هذا التدخل حتى اللحظة.
أما البعد الدينى فبدأت الحديث عنه بقضية تجديد الخطاب الدينى المثارة من مدة طويلة دون أن تبدو علامات إنجاز واضح فيها بدليل استمرار الحديث عنها، وأكدت أن هذا لا يعنى أنه ليس لدينا رجال دين فاهمون لصحيح الدين بل على العكس فإن ثمة قامات رفيعة فى هذا الصدد وأجيالاً جديدة تُبَشر بالخير، لكن المقصود أن هناك من رجال الدين من يحمل أفكاراً مغلوطة تمهد الطريق للتطرف، وأبديت خشيتى من أن معالجة قضية تجديد الخطاب الدينى تبدو بالنسبة لى نخبوية الطابع بمعنى أنها تركز على حوارات فكرية رصينة ومتعمقة قد لا تستطيع متابعتها والمشاركة فيها سوى نسبة ضئيلة من المواطنين
بينما ما يشغلنى هو المستوى العملى القاعدي، وضربت ثلاثة أمثلة فى هذا الصدد يتعلق أولها بأئمة المساجد.
والثانى بالمعلمين والثالث بأصحاب الفتاوى من خارج مؤسسة الفتوى الرسمية، وأكدت أن ملاحظاتى فى هذا الصدد مبنية بكاملها على المشاهدة الواقعية، وفيما يتعلق بأئمة المساجد أكدت أن نسبة ما منهم لا أستطيع علمياً تحديدها تحمل أفكاراً مغلوطة عن الدين هى التى تؤسس لثقافة دينية غير سوية تدفع المواطن المصرى فى القرى والنجوع إلى مهاجمة أشقائه فى الوطن لمجرد أنهم يؤدون الصلوات فى مكان غير مرخص أو إلى حرق الكنائس بأدنى تحريض.
أما المعلمون فينطبق عليهم الأمر نفسه بمعنى أن نسبة ما ليس بمقدورى تحديدها علمياً تحمل الأفكار المغلوطة نفسها ذات التأثير الخطير على عقول النشء، ويلاحظ أن دور المدرسة ومن قبلها المسجد لا يقل فى أهميته عن دور الأسرة بل إنه يفوقه أحياناً.
أما أصحاب الفتاوى الخصوصية فكثيراً ما أفتوا بنصائح فاسدة بخصوص التعامل مع أشقاء الوطن المختلفين فى الدين بما مثل إضراراً بأثمن ما تمتلكه مصر وهو وحدتها الوطنية، بل لقد وصل الأمر أحياناً إلى الفتوى بتكفير هذا وإباحة دم ذاك وكلها أمور بالغة الإضرار بأمن الوطن وتماسكه، وبينما شددت فى البعد السياسى على دور القوى السياسية فى تصحيح الوضع الحزبى المهلهل.
فإن المسئولية الأكبر هنا تقع على عاتق الدولة لأنها هى التى تعين أئمة المساجد والمعلمين وتتابعهم كما أن مؤسسة الفتوى الرسمية مسئولة بالضرورة عن مواجهة أى انحراف بالدين من أصحاب الفتاوى الخاصة، وقد ختمت بالحديث عن البعد الثقافى غير أنه يحتاج مقالة خاصة.
نقلا عن الأهرام القاهرية