بقلم - أحمد يوسف أحمد
دعا العاهل السعودى إلى قمتين طارئتين تُعقدان فى مكة المكرمة يوم 30 مايو بحيث تسبقان القمة الإسلامية المقرر عقدها فى نهاية الشهر فى المدينة نفسها، وجاءت الدعوة على خلفية التصعيد الذى تشهده المنطقة بين الولايات المتحدة وإيران، والذى تضمن أعمالاً تخريبية طالت أربع سفن فى ميناء الفجيرة الإماراتى الذى يكتسب أهمية خاصة كونه واقعاً خارج نطاق مضيق هرمز، بما يعنى رسالة مفادها أن تصدير النفط لن يكون فى مأمن إذا انفجر الموقف سواء داخل المضيق أو خارجه، كذلك تضمن التصعيد هجوماً على منشآت نفط سعودية، اعترف الحوثيون بمسئوليتهم عنها والرسالة أوضح من أن تُشرح، وأدت هذه التطورات إلى إعادة انتشار جديدة للقوات الأمريكية فى بلدان الخليج العربي، وكما صرح مصدر سعودى فإن الهدف من الدعوة هو التشاور والتنسيق مع الدول الشقيقة فى مجلس التعاون الخليجى والجامعة العربية فى كل ما من شأنه تعزيز الأمن والاستقرار فى المنطقة، ويرى مراقبون أن القمة سوف يكون منوطاً بها تطوير آليات التأمين وبالذات البحرى فى المنطقة وبلورة موقف عربى تجاه التهديدات الإيرانية، وربما اللجوء لمجلس الأمن لفرض المزيد من العقوبات على إيران بسبب الأعمال التى تُتهم بارتكابها.
والأصل فى القمم العربية أنها كانت كلها طارئة تُعقد لمواجهة تطورات خطيرة تهدد الأمن العربى وكانت أولاها قمة أنشاص1946 التى انعقدت لمواجهة تصاعد الخطر الصهيونى على فلسطين، والثانية قمة بيروت1956 التى انعقدت على خلفية العدوان الثلاثى على مصر، وعُقدت أول قمة بعد ذلك فى يناير1964 بدعوة من الرئيس عبد الناصر لمواجهة الخطر الإسرائيلى على مياه نهر الأردن، وبعدها أصبحت القمم إما عادية إذا انعقدت بناء على قرار من القمة السابقة عليها، كما فى قمة الإسكندرية التى انعقدت فى سبتمبر1964 بناء على قرار قمة القاهرة التى سبقتها، وقمة الدار البيضاء التى انعقدت فى سبتمبر1965 بموجب قرار قمة الإسكندرية وهكذا، وإما غير عادية إذا انعقدت بمبادرة من دولة عربية لمواجهة موقف طارئ كما فى القمة التى عُقدت فى الخرطوم بمبادرة من السودان فى أغسطس-سبتمبر 1967 لمواجهة آثار عدوان 1967 ، وتلك التى دعا إليها الرئيس عبد الناصر فى سبتمبر1970 لوقف الصدام الدموى بين السلطة الأردنية والمقاومة الفلسطينية، وظل الحال على هذا النحو إلى أن وافقت قمة القاهرة2000 على بروتوكول الانعقاد الدورى لمجلس الجامعة العربية على مستوى القمة الذى اقترحه اليمن ونص على أن تُعقد القمة سنوياً فى مارس فى احدى الدول العربية بالترتيب الأبجدي، كما أجاز عند الضرورة أو بروز مستجدات تتصل بسلامة الأمن القومى العربى عقد دورات غير عادية إذا تقدمت إحدى الدول الأعضاء أو الأمين العام بطلب ذلك ووافق على عقدها ثلثا الدول الأعضاء.
ومنذ إقرار هذا البروتوكول فشلت الدول العربية فى تطبيقه رغم التطورات الكارثية التى حلت بالأمة العربية وأولها الغزو الأمريكى للعراق2003 الذى ترتبت عليه تداعيات فادحة مازال الوطن العربى يعانى منها، ومع ذلك لم تدع دولة عربية واحدة ولا الأمانة العامة إلى عقد قمة غير عادية والسبب واضح، بل إن خمس دول عربية عقدت قمة مع الرئيس الأمريكى بعد شهرين من الغزو، ثم وقع العدوان الإسرائيلى الذى تحول إلى عدوان تدميرى شامل على لبنان فى يوليو2006 رداً على عملية مقاومة لحزب الله، وفى هذه المرة تحركت الأمور قليلاً فدعا اليمن إلى قمة غير عادية لكنه لم ينجح سوى فى تأمين موافقة 13دولة أى أقل من الأغلبية المطلوبة باثنين، وشعر بعد ذلك بأن دعوته أصبحت مصدراً للانقسام فسحبها، وفيما بعد ولأن السعودية اتُهمت بأنها وراء عرقلة محاولات عقد القمة أعلن وزير خارجيتها فى المؤتمر الوزارى الذى انعقد فى بيروت فى أغسطس بعد الصمود الأسطورى للمقاومة اللبنانية أن بلاده على استعداد لعقد القمة فى مكة بشرط الاستعداد الجيد، غير أن صدور قرار متوازن من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار جعل انعقاد قمة غير ذى موضوع، وفى مواجهة العدوان الإسرائيلى على غزة فى آخر2008 دعت الدوحة إلى قمة غير عادية غير أنها لم تحصل على موافقة الأغلبية المطلوبة فعقدت قمة تشاورية، بمعنى أنها ليست قمة رسمية عربية لقراراتها صفة الإلزام.
وهكذا إما أن محاولات عقد قمم عربية غير عادية قد غابت كما فى حالة الغزو الأمريكى للعراق أو باءت بالفشل كما فى حالتى العدوان الإسرائيلى على لبنان ثم غزة، ولعل هذا هو ما دفع العاهل السعودى إلى ألا يدعو لقمته الطارئة فى إطار بروتوكول الانعقاد الدورى للقمم العربية لأنه لو فعل لكان مطالباً بالانتظار لحين موافقة ثلثى الأعضاء وكان احتمال عدم الحصول على الأغلبية المطلوبة قائماً بسبب الظروف العربية الراهنة وإن يكن ضئيلاً، ولهذا لم يدع العاهل السعودى إلى القمة فحسب وإنما حدد موعدها دون انتظار لمعرفة رأى الدول العربية، وبالتالى ستكون القمة تشاورية وليست قمة رسمية غير عادية، وفى كل الأحوال فسوف تُحسن القمة صنعاً إن هى بلورت موقفاً عربياً موحداً فى مواجهة التهديدات بعيداً عن أى دور خارجي، واستكشفت السبل المختلفة لوقف التصعيد الذى قد يفضى فى لحظة طائشة لتعريض المنطقة لكارثة جديدة من نوع الحرب العراقية-الإيرانية، والغزو العراقى للكويت، والأمريكى للعراق وكلها كوارث ما أغنانا عنها وما أحوج الآخرون لها لابتزازنا، وقد كانت لنا وللسعودية بصفة خاصة تجارب ناجحة فى التعايش مع إيران على أساس من الاحترام المتبادل للمصالح المشروعة وإتاحة الفرصة لمناخ من الاستقرار يمكن شعوب المنطقة من التقاط أنفاسها والتطلع بأمل إلى المستقبل.
نقلا عن الاهرام القاهريه
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع