بقلم - أحمد يوسف أحمد
ركزت القمة العربية الطارئة التى انعقدت فى مكة المكرمة فى 30 مايو الماضى على الخطر الإيرانى وهذا مفهوم بالنظر إلى توقيت انعقادها ومكانه، فقد انعقدت فى أجواء الأعمال التخريبية التى طالت أربع ناقلات نفط فى المياه الإقليمية للإمارات اثنتان منها سعوديتان وواحدة إماراتية وأخرى نرويجية، وكذلك أجواء الهجوم الذى تم بطائرات مسيرة مفخخة على محطتى ضخ نفط بمنطقة الرياض، ومع ذلك فإن النظرة الشاملة لمصادر تهديد الأمن القومى العربى تقتضى إدخال مصادر أخرى لا تقل خطورة عن التهديدات النابعة من المشروع الإيرانى، وهى النظرة التى انعكست فى خطاب الرئيس السيسى فى القمة عندما أشار ضمناً إلى التهديدات التركية بحديثه عن أن الدول العربية لا يمكن أن تقبل استمرار وجود قوات احتلال عسكرية لطرف إقليمى على أراضى دولتين عربيتين شقيقتين، أو أن يدعم طرف إقليمى بالسلاح والعتاد سلطة ميليشيات ويغذى الإرهابيين على مرأى ومسمع من العالم كله، وهو ما ينطبق بوضوح على تركيا، وطالب الرئيس بوقفة صدق وحزم مع كل طرف إقليمى يحاول التدخل فى الشأن العربى، أى أننا إزاء نظرة متوازنة لمصادر التهديد الإقليمية للأمن العربى
والواقع أن المرء لا يمكنه أن يتجاهل أن التعامل العربى مع مصادر التهديد التركية للأمن العربى لا يرقى إلى المستوى المطلوب إن لم يكن غائباً أصلاً، وفى آخر قمة عربية عادية على سبيل المثال تحدث السيد أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية بوضوح فى كلمته فى الجلسة الافتتاحية للقمة عن المصادر الخارجية لتهديد الأمن القومى العربى، وذكر فى مقدمتها: اجتراء بعض قوى الإقليم على الدول العربية ونكبة الاحتلال الإسرائيلى المستمرة من سبعة عقود ويزيد. وعندما تحدث عن هذا الاجتراء ذكر ما نصه: إن التدخلات من جيراننا فى الإقليم وبالأخص إيران وتركيا فاقمت من تعقد الأزمات وأدت إلى استطالتها بل واستعصائها على الحل ثم خلقت أزمات ومشكلات جديدة على هامش المشكلات الأصلية، لذلك فإننا نرفض جميع هذه التدخلات وما تحمله من أطماع ومخططات، وأضاف الأمين العام قوله: كما أنه لا مجال لأن يكون لقوى إقليمية جيوب فى داخل بعض دولنا تسميها مثلاً مناطق آمنة، ورغم كل هذا الوضوح فقد خلا بيان قمة تونس من أى إشارة إلى مصادر التهديد التركية للأمن العربى واكتفى بالتركيز على التهديدات الإيرانية.
إن نظرة واحدة إلى الساحة تثبت أهمية النظرة الشاملة لمصادر تهديد الأمن العربى على النحو الذى يرد دائما فى كلمات الرئيس السيسى وتصريحاته، وكذلك وفقاً للشرح السابق من قِبَل الأمين العام للجامعة العربية، فهاهى تركيا تمارس سياسة بلطجة واسعة النطاق تطول العدد نفسه من الدول الذى تطوله السياسات الإيرانية إن لم يكن أكثر، وبادئ ذى بدء لا تُظهِر السياسة التركية أدنى احترام لإرادة الشعب المصرى الحاسمة التى تجسدت فى 30يونيو2013، وهى تحتضن وتدعم فلول الإخوان المسلمين الذين لا يخفون نواياهم فى هدم التجربة المصرية الراهنة بل وترجموا هذه النوايا إلى أعمال إرهاب حقيقية كلفت مصر الكثير، وهى تتحالف مع النظام القطرى لرعاية ما يُسمى بمشروع الإسلام السياسى فى المنطقة والذى يُعَد مسئولاً عن معظم الأعمال الإرهابية فيها، كما وقفت السياسة التركية إلى جوار النظام القطرى فى أزمته مع الرباعى العربى وصولاً إلى حد دعمه بقوات متمركزة فى الأراضى القطرية وهو ما يعنى ضمناً تأييدها لكل سياسات هذا النظام ضد جيرانه وضد مصر، وفى إطار ما يُسمى بمشروع الإسلام السياسى دعمت تركيا ميليشيات إرهابية تلتحف زورا بالإسلام فى الصراع الدائر فى سوريا، ونذكر أن الرئيس الروسى بوتين قبل توافقه معها قد اتهمها صراحة بدعم الإرهاب فى أسوأ صُوَرِه وهو داعش، بل وقدم الأدلة الدامغة على ذلك، وتتدخل تركيا تدخلا عسكريا مباشرا فى كل من سوريا والعراق بحجة الحفاظ على أمنها القومى من الخطر الكردى وإن كانت تصريحات المسئولين فيها لا تنجح دائما فى إخفاء أطماع إقليمية تركية فى أراضى سوريا والعراق انطلاقا من أوهام عثمانية بغيضة، ويرد مسئولوها بصفاقة منقطعة النظير على كل من ينتقد هذه السياسات التوسعية.
ومن الواضح أن مصر تحتل مكانا خاصا فى استراتيجية الهيمنة التركية وهو أمر طبيعى بالنظر إلى المكانة الإقليمية لمصر والتى تجعل نجاح السياسة التركية فى المنطقة مستحيلا دون تطويقها وهو ما يساوى عشم إبليس فى الجنة، وقد سبقت الإشارة إلى احتضان هذه السياسة فلول الإخوان المسلمين الهادفين إلى تقويض النظام المصرى، وهى تدعم فصائلهم الإرهابية فى ليبيا بالتصريحات والسلاح علنا، وسبق لها أن دعمت نظام البشير ذى التوجهات المعروفة والذى سلمها جزيرة سواكن فى البحر الأحمر بدعوى إعادة ترميمها وإن لم يُخْفِ زبانية النظام التركى فى تصريحاتهم الطابع الاستراتيجى لهذه الخطوة، وهكذا ينخرط أردوغان فى محاولة يائسة لتطويق مصر، وأخيرا وليس آخرا يمارس سياسة البلطجة علنا فى شرق المتوسط بتعويقه أنشطة استكشاف النفط والغاز فى السواحل القبرصية بدعوى الدفاع عن حقوق جمهوريته القبرصية التركية التى لا يعترف بها أحد سواه، وهكذا فإن التهديدات التركية تطول ما لا يقل عن ثمانى دول عربية بشكل مباشر وهو ما يحتاج مواجهة عربية شاملة تماما كتلك التى تحدث مع إيران، ولن يكون هذا ممكنا إلا بموقف عربى موحد من هذه التهديدات وتفعيل آليات العمل العربى المشترك القائمة، أو التى لم تتبلور بعد وفقا لكلمات الرئيس السيسى والمعنى واضح، كذلك من الضرورى أن يكون هناك تحرك عربى دولى، لأن الاستفزازات التركية لا تطولنا وحدنا، وإنما تمتد لتشمل اليونان وقبرص العضوين فى الاتحاد الأوروبى.
نقلا عن الاهرام القاهريه
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع