توقيت القاهرة المحلي 12:48:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أزمة الإعلام.. أزمة الأمة

  مصر اليوم -

أزمة الإعلام أزمة الأمة

بقلم - جمال عبدالجواد

تعانى الصحافة المطبوعة أزمة تزداد عمقا وصعوبة كل يوم. أهم مظاهر الأزمة هو تناقص عدد قراء الصحف فى كل يوم جديد عن اليوم السابق عليه، ومع تراجع عدد القراء يتراجع اهتمام المعلنين بظهور إعلاناتهم على صفحات الجرائد والمجلات، وتتراجع عائدات الإعلان، وتدخل الصحف فى أزمة مالية تهدد بتوقفها. وبالفعل فقد توقف عديد الصحف فى بلاد كثيرة عن الصدور. أما فى بلادنا فإن الأزمة التى تواجه الصحافة المطبوعة لا تقتصر فقط على الصحف المملوكة للدولة, فالصحف الحزبية والخاصة، وحتى الصحف الإلكترونية، تواجه المتاعب المالية أيضا.

صمدت الصحافة المطبوعة أمام التحدى الذى أثاره فى وجهها التليفزيون، وسيلة الإعلام الأهم فى القرن العشرين؛ أما اليوم فإن الصحافة المطبوعة والتليفزيون يواجهان معا المأزق الذى وضعتهم فيه وسائل الإعلام الجديدة المعتمدة على الإنترنت. كان التليفزيون يقدم الأخبار وبرامج التسلية، فيتجمع الناس فى غرفة المعيشة حول شاشة التليفزيون لمشاهدة المحتوى الإعلامى بانتباه واهتمام, وكان القائمون على التليفزيون يبيعون هذا الاهتمام والانتباه لمعلنين مستعدين لدفع المال الكثير من أجل الوصول بمنتجاتهم للجمهور. كان البرنامج اليومى لحياة الملايين من البشر فى الماضى القريب يتمحور حول برامج التليفزيون. كانت أخبار التاسعة، وفيلم السهرة، والمسلسل اليومي، وبرامج المقابلات والمسابقات هى العلامات التى ينظم الناس من حولها أوقاتهم وبرنامج حياتهم اليومي، لكن هذا لم يعد قائما الآن, لم يعد الناس يتجمعون حول تليفزيون غرفة المعيشة. وبدلا من تلك الشاشة الواحدة أصبح فى كل منزل شاشات عديدة، بعضها فى شكل التليفزيون التقليدي، وأغلبها فى شكل أجهزة أخرى تقدم محتوى متنوعا من الأخبار والتسلية والأفلام والمسلسلات والبرامج والوثائقيات، لدرجة أن بعضا من أشهر المسلسلات والأفلام والوثائقيات التى يهتم بها المشاهدون الآن لم تعرض أبدا على شاشة أى تليفزيون.

الإعلام هو اتصال يتم بأعداد كبيرة من البشر عبر الجريدة أو التليفزيون, وقد ركزت دراسات الإعلام على الطابعين الاتصالى والجماهيرى لهذه العملية، التى عرفت بالاتصال الجماهيرى mass communication، أو الإعلام الجماهيرى mass media، وهو الاسم الذى تحمله أغلب أقسام ومعاهد دراسة الإعلام فى العالم. لقد تغير هذا الآن بعد أن تم تفتيت عملية الاتصال لتصبح اتصالا بأفراد مبعثرين، يستهلكون مواد إعلامية مختلفة فى الأوقات التى تناسبهم. لم يعد هناك جماهير بعد أن تم تفتيت الجمهرة الواسعة إلى عدد كبير من الجماهير الأقل عددا والأكثر تجانسا. فالأجيال الثلاثة التى تعيش تحت سقف البيت الواحد لم تعد تقرأ نفس الجريدة وتشاهد نفس البرنامج التليفزيوني، ولكن أصبح لكل فرد شاشته الخاصة، التى يقرأ ويشاهد عليها مادة مختلفة، يشاركه فيها أقران له فى نفس سنه ونوعه ومهنته من غير أفراد الأسرة, فضعفت الروابط بين أفراد الأسرة، بينما تكونت شبكات جديدة من مستهلكى مواد إعلامية متنوعة يجرى ترويجها على شبكة الإنترنت.

ذهبت الأمور خطوة أبعد عندما مكنت التكنولوجيا الآلاف من البشر من نشر مواد إعلامية يقومون بإنتاجها وتحريرها، فلم يعد الاتصال يتم من جانب واحد، هو جانب الإعلاميين المحترفين، فى اتجاه الجماهير الغفيرة من المستهلكين. لقد تم تفتيت عملية إنتاج المحتوى الإعلامى بين آلاف من الهيئات والأفراد، بعد أن تم تفتيت الطريقة التى يتم بها استهلاك المنتجات الإعلامية. لقد وفرت وسائل التواصل الاجتماعى المنصة المناسبة لتمكين الآلاف من المواطنين من إنتاج المحتوى الإعلامى الذى يروق لهم، حتى أصبح الكثير من الإعلاميين يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعى كمصدر للأخبار، وهو ما تؤكده الدراسات، والتى تؤكد أيضا تراجع ثقة المواطنين فى وسائل الإعلام، وهذه مفارقة كبرى، حيث أدت مشاركة عدد أكبر من المواطنين فى إنتاج المحتوى الإعلامى إلى إضعاف ثقة المواطنين أنفسهم فى وسائل الإعلام.

المؤكد هو أنك تستطيع أن تجد على شبكة الإنترنت تنوعا كبيرا فى الآراء لم يسبق لوسائل الإعلام التقليدية أن قدمته فى أى لحظة فى تاريخها. المؤكد أيضا هو أن كثيرا من الآراء المنشورة على الإنترنت تبالغ فى التحيز والتطرف، خاصة أن التطرف وأساليب التعبير الزاعقة هى الطريقة الأكثر فعالية للفوز فى خضم معركة لفت الانتباه الجارية بين الأصوات الكثيرة المتداخلة على شبكة الإنترنت. المؤكد أيضا هو أن نسبة كبيرة مما يتم نشره على شبكة الإنترنت ينطوى على أخبار كاذبة، وأن التحيز الذى يميز تصرفات الأفراد على الشبكة يجعلهم أكثر استعدادا لتصديق وترويج الأخبار الكاذبة، حتى إن دراسة مهمة بينت أن الأخبار الكاذبة يتم إعادة بثها على تطبيق تويتر بنسبة 70% أكثر من الأخبار الصحيحة, أسهمت وسائل الإعلام فى نهضة الدول وبناء الأمم، وعندما يدخل الإعلام فى أزمة فإن الأزمة تطول الدولة والأمة أيضا. لقد ظهرت القوميات والأمم والدول القومية فى القرن التاسع عشر بفضل وسائل الإعلام، التى سمحت بالتواصل بين ملايين البشر الذين لا يعرفون بعضهم، فمكنت أهالى بلدة صغيرة فى أقصى جنوب الوادى بالتعاطف والتماهى مع سكان مدينة كوزموبوليتانية على ساحل المتوسط، باعتبارنا جميعا مصريين. لقد وحدت وسائل الإعلام هذه الجماعات الصغيرة المتناثرة، أما اليوم فإن وسائل التواصل الاجتماعى والإنترنت تدفع فى اتجاه تفتيت ما استغرق بناؤه قرنين من الزمان.

من الخطأ اختزال أزمة الإعلام فى أزمة أدوات اعتادت النظم الحاكمة استخدامها للدفاع عن بقائها. لقد تعرض الإعلام لاستنزاف المصداقية والمهنية بسبب الإفراط فى استخدامه للدفاع عن الأنظمة، حتى وصلنا إلى وضع تواجه فيه الصحافة المطبوعة والمرئية تحديات وجودية. المشكلة هى أنه مع كل إضعاف لوسائل الإعلام فإن الدولة والأمة تواجه المزيد من التحديات. فالأمة والدولة فى بلادنا لم تنضج بعد إلى حد الاستغناء عن مساعدة الإعلام, ويبقى السؤال عن الطريقة التى يمكن بها استعادة الحيوية والمصداقية للإعلام فى ظل فيضان وسائل التواصل الذى لا يمكن إيقافه.

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أزمة الإعلام أزمة الأمة أزمة الإعلام أزمة الأمة



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon