توقيت القاهرة المحلي 14:27:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

القاهرة والرياض .. تحالف سياسى وثقافى أيضا

  مصر اليوم -

القاهرة والرياض  تحالف سياسى وثقافى أيضا

بقلم - جمال عبدالجواد

حلف القاهرة الرياض هو الأقدم، وهو الأكثر ديمومة واستمرارية فى العالم العربي، ولولا المواجهة والاستقطاب الذى حدث بين البلدين فى عقد الستينيات، لكان التحالف المصرى السعودى هو الحلف العربى الذى اتصل بلا انقطاع منذ تشكل النظام الإقليمى العربى فى الأربعينيات وحتى اليوم. التوافق السياسى كان هو الأساس الذى قام عليه التحالف المصرى السعودى طوال العقود السابقة، أما جديد المرحلة الراهنة فيتمثل فى توافق الرؤية الثقافية والإيديولوجية بين القيادات الحاكمة فى البلدين.

منذ تأسيس الجامعة العربية، وحتى قرب نهاية الخمسينيات، كان إحباط السياسات التوسعية للهاشميين - الذين حكموا فى العراق والأردن ذ هو الهدف المشترك للقاهرة والرياض. عادت المياه تجرى فى قنوات العلاقات المصرية السعودية بعد حرب 1967، وتوافقت رؤية البلدين على العمل معا من أجل تحرير الأرض العربية المحتلة. حرب 1973 كانت هى الإنجاز الأكبر الذى تم تحقيقه فى هذه المرحلة. حارب جيش مصر فى أكتوبر، وحقق انتصارا عسكريا كبيرا، بمساندة رائعة من حظر النفط العربى الذى نفذته وقادته المملكة السعودية.

وقعت مصر اتفاق السلام مع إسرائيل، وجمدت السعودية العلاقات مع مصر تحت ضغط الراديكاليين العرب، لكن السعودية لم تتورط فى شن الحملات على مصر، أو تدبير المؤامرات ضدها، كما فعل الآخرون. فى عام 1979 وصل الخمينى للحكم فى إيران، وفى العام التالى اشتعلت الحرب بين العراق وإيران. منع إيران من تحقيق انتصار على البلد العربى كان هو الهدف المشترك للقاهرة والرياض طوال سنوات الحرب الثماني، المقاطعة المفروضة على مصر لم تمنع القاهرة من تقديم الدعم للعراق، ولم تمنع تجديد التعاون السياسى بين القاهرة والرياض. تم رفع المقاطعة العربية عن مصر، وعادت مصر للعالم العربى من بوابة الخطر الإيرانى الذى كان يدق على بوابة العرب الشرقية بعنف غير مسبوق.

انتصر العراق فى الحرب مع إيران، وبدا العالم العربى كما لو كان مؤهلا للانطلاق، لولا مغامرات صدام حسين التى لم تعرف حدودا ولا منطقا، غزا صدام الكويت، وضمها، وأعلنها المحافظة رقم 19 من محافظات العراق. التحالف المصرى السعودى كان هو الركيزة التى قام عليها تحالف إقليمى ودولى كبير، أجبر العراق على الخروج من الكويت. الدور المصرى فى حرب تحرير الكويت سياسيا وعسكريا هو النموذج والتطبيق العملى لسياسة «مسافة السكة» التى يتبناها الرئيس السيسي. جيش مصر ليس جيشا للإيجار، ولا قيادته من الهواة المغامرين، وهو لن يتأخر عن الوقوف بفعالية إلى جانب بلد عربى خليجى يتعرض أمنه وسيادته لتهديد جدي.

شعرت السعودية بفداحة الخسارة عندما كادت مصر تقع فى قبضة الإخوان. مواجهة الشرق الأوسط المضطرب دون مصر أمر شديد الصعوبة، فما بالك لو ألحقت مصر بالمعسكر المعادي. كانت السعودية حاضرة عندما كانت مصر تقود معركة التحرر من سيطرة الإخوان فى صيف عام 2013، فقدمت - مع الإمارات - دعما ماليا كانت مصر فى أشد الحاجة له، ودافعت فى عواصم القرار الدولية عن التحولات التى شهدتها مصر فى ذلك الصيف الساخن.

نجحت السعودية ومصر فى صيانة التحالف السياسى بينهما رغم الاختلافات الثقافية والإيديولوجية بين نظم الحكم فى البلدين: الإسلام الوهابى فى السعودية والوطنية البراجماتية فى مصر كانا هما الاتجاهين السائدين طوال أغلب فترات العلاقة الممتدة لأكثر من سبعين عاما. تطلعت تيارات التجديد الليبرالى فى المملكة إلى مصر باعتبارها المصدر الأهم للتجديد الثقافى فى المنطقة، فيما كانت تيارات الأصولية السلفية تنتشر فى مصر، بدعم من مركزها فى السعودية.

تجاهل البلدان الاختلافات الإيديولوجية بينهما فى أغلب الأوقات، فيما تم توظيف هذه الاختلافات سياسيا فى بعض الأحيان. عندما رفعت مصر رايات القومية العربية والاشتراكية، وشنت هجوما كاسحا ضد الملكيات العربية فى الستينيات، تبنت السعودية الإخوان الهاربين من مصر، وقدمت الدعم للأصوليين الوهابيين. لولا تبنى مصر الناصرية أفكار القومية العربية الراديكالية لظلت هذه الأفكار نبتا مشرقيا معزولا، ولولا دعم السعودية للإخوان والسلفيين، لكان لهؤلاء شأن أقل بكثير مما آل إليهم فى العقود الماضية. إلى جانب التأثيرات القادمة من سوريا ولبنان، فإن مصر والعربية السعودية هما البلدان اللذان ساهما أكثر من غيرهما فى تشكيل الخريطة الإيديولوجية فى العالم العربي، ليس فقط عن طريق إطلاق الإيديولوجيات والأفكار، وإنما أيضا عن طريق بذل الدعم الحكومى السخى لترويجها. عواصف الربيع العربى لم تكن من نوع الصراعات المعتادة للسيطرة على السلطة، لكنها كانت أيضا أعاصيرا إيديولوجية كاسحة، حاولت من خلالها تيارات الإسلام السياسى المتنوعة اختطاف بلاد العالم العربى الرئيسية. الإيديولوجيات التى روجت لها الحكومات أحيانا، وتساهلت معها أحيانا أخرى، ووظفتها فى مراحل ثالثة أصبحت سلاحا فى يد طرف ثالث، يتحدى الحكومات ويضعها فى مرمى نيران تهديداته.

استعادة السيطرة على قوى الفوضى الثورية التى أطلقها الربيع العربى ليست عملية سياسية وأمنية فقط، ولكنها عملية إيديولوجية أيضا. التوتر بين مصر والسعودية فى مرحلة معينة، وتجاهل البعد الإيديولوجى فى علاقات البلدين فى مراحل أخرى، أتاح ثغرات استفاد منها المتطرفون، وهى الثغرات التى عزم البلدان على سدها. اتفاق البلدين على مواجهة الإخوان، تنظيما وفكرا، سيؤدى إلى إعادة رسم خريطة التيارات الإيديولوجية فى المنطقة.

اتسع نطاق المواجهة الإيديولوجية فى السعودية ليشمل التيار الأصولى السلفى أيضا. الإصلاحات الاجتماعية العميقة التى أدخلتها القيادة السعودية تنطلق من تفسير للإسلام مغاير للتفسير المتشدد الذى تبناه التيار الغالب فى المؤسسة الدينية السعودية لسنوات طويلة. السعودية تحت قيادة محمد بن سلمان تمارس تفسيرا معتدلا للإسلام، فيما الرئيس السيسى يلح على إصلاح الخطاب الديني. التغيير فى الخطاب الدينى السعودى يسهل مهمة إصلاح الخطاب الدينى فى مصر، فيما تقدم مصر نموذجا وسطيا للمصالحة بين الأصالة والمعاصرة، هو أقرب للتقاليد السعودية من نماذج عربية وشرق أوسطية أخرى ذهبت بعيدا فى اتجاه المعاصرة، وانحازت بشدة للوافد من بلاد الغرب. مصر والسعودية لم يكونا أقرب إلى بعضهما سياسيا وإيديولوجيا كما هما الآن. هذا هو المغزى الأهم لزيارة الأمير محمد بن سلمان للقاهرة.

نقلا عن الاهرام القاهريه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القاهرة والرياض  تحالف سياسى وثقافى أيضا القاهرة والرياض  تحالف سياسى وثقافى أيضا



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon