إذا صحت رواية أن حريقا وراء مقتل أطفال المريوطية الثلاثة، بسبب تقصير الأم، أو ظروفها الصعبة، فإن على كل من تسرع وروج لوجود مافيا تجارة أعضاء وراء الحادث أن يعتذر، والأهم أن يتوقف عن مثل هذه النوعية من التفكير الرغائبى المعلب، لأن ضرره أكثر من نفعه.
حينما تم العثور على الأطفال الثلاثة، راجت شائعة أن بطون الأطفال المقتولين كانت مفتوحة، ومنزوع منها بعض أعضائهم. وانجرفت غالبية وسائل الإعلام خلف هذه الرواية، وبدأ كثيرون يحللون الموضوع على هذا الأساس، رغم أنه لم يكن هناك أى تصريح رسمى أو رواية شاهد عيان تؤكد هذه الرواية.
فى اليوم التالى للعثور على جثث الأطفال، خرجت تقارير الطب الشرعى المبدئية، لتشير إلى أن الأطفال ماتوا مخنوقين نتيجة حريق ونفت تماما حكاية سرقة الأعضاء.
وطوال يومى السبت والأحد الماضيين عرفنا المزيد من التفاصيل، وكان أهمها ما جاء فى بيان وزارة الداخلية، بأن أم الأطفال كانت تعمل فى ملهى ليلى، وأنها تركتهم فى الشقة بالطالبية، وأن حريقا اندلع فماتوا خنقا، وأنها ألقتهم بمساعدة صديقتها وسائق توك توك فى المريوطية.
وحتى تتضح الحقيقة كاملة، فإنه يصعب تصور أن أما طبيعية تلقى بأولادها المقتولين حرقا بهذه الطريقة، حتى لو كانوا من ثلاثة أزواج عرفيين مختلفين، فهم فى النهاية أولادها!
ما أريد مناقشته فى هذه السطور هو ضرورة ألا نندفع سواء فى وسائل الإعلام التقليدية، أو وسائل التواصل الاجتماعى خلف الشائعات وأنصاف الحقائق أو أرباعها، قبل أن تتبين الحقيقة، وبعدها يمكننا أن نفتى ونحلل ونناقش كما نشاء.
رواية سرقة أعضاء تفسيرا للحادث انتشرت كالنار فى الهشيم، وصدقها الكثيرون، ولم يكلف أحدهم نفسه انتظار تقرير رسمى يؤكد الواقعة أو ينفيها. والبعض قفز من هذه الواقعة لمحاولة إثبات وجهة نظره ضد الحكومة والنظام بأكمله.
لكن فى الناحية الأخرى فعلى الحكومة، أن تدرس سر ظاهرة تصديق الكثير من الناس للعديد من الشائعات حتى لو كانت مفبركة أو مفككة وركيكة، ولماذا صاروا قابلين لذلك، وأين الخطأ بالضبط؟!
ورغم ذلك، أزعم أن الحكومة وأجهزتها وسائر مراكز البحوث والمجتمع المدنى ينبغى أن يهتموا بما وراء الحادثة إذا صحت الوقائع التى قرأناها فى وسائل الإعلام الأحد.
تقول هذه الوقائع إن السيدة تزوجت ثلاث مرات عرفيا، وأنها أنجبت ابنا من كل زوج، وأن الأطفال ليسوا مسجلين بآبائهم الحقيقيين، بل بالزوج الرابع الشرعى، وأحدهم ليس مسجلا على الإطلاق!
ثم إن الأم كانت تترك الأطفال فى غرفة أو شقة واحدة، وتذهب لعملها الذى لا نعرف طبيعته بالضبط، وهل هى نادلة أم خادمة أم راقصة؟!. كل هذه الوقائع ــ إذا صحت ــ ينبغى أن تدق ناقوس الخطر الداهم الذى يهدد المجتمع.
السؤال الجوهرى: هل الحكومة وكل المجتمع على علم ودراية ومعرفة بهؤلاء الناس الذين يعيشون فى الهامش ولا نراهم ولا نسمع عنهم، إلا حينما تقع المأساة أو الفأس فى الرأس؟!
السؤال الثانى: أى واقع هو الذى يجعل سيدة تتزوج ثلاث مرات عرفيا، ولا تسجل أولادها فى أوراق رسمية أو تسجلهم بأسماء آباء غير حقيقيين، وأى مستقبل ينتظر مثل هؤلاء الأطفال غير المصير البائس والمفجع الذى لاقاه الأطفال الثلاثة، حيث ماتوا محروقين فى شقة بالطالبية وتم إلقاء جثثهم على ترعة المريوطية، وحرموا حتى من الدفن الكريم، أى إنهم عاشوا معذبين وماتوا معذبين علما بأن أعمارهم بين الثانية والخامسة؟!
السؤال الثالث: ماذا نتوقع من مثل هذه النوعية من الأطفال أن يفعلوا عندما يكبروا، وأى نوع من العمل سوف يمتهنون؟!. أليس المنطقى أن يتحولوا إلى متطرفين أو مدمنين أو انعزاليين، وإذا كان حظهم سعيدا سيصبحون «سائقى تكاتك» فى مناطق عشوائية؟!
أرجو أن ننشغل كثيرا بدلالات حادث الأطفال على جميع الأصعدة من أول انجرار السوشيال ميديا خلف أسطورة سرقة الأعضاء، ونهاية بالدلالات المأساوية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية والاعلامية لهذه الحادثة.
أفيقوا يرحمكم الله قبل الطوفان.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع