توقيت القاهرة المحلي 09:28:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التقشف أولًا

  مصر اليوم -

التقشف أولًا

بقلم-عماد الدين حسين

إذا كنا نعانى من أزمة اقتصادية خانقة.. فهل نحن، شعبا وحكومة، نمارس التقشف فعلا؟!
هذا السؤال أسمعه كثيرا هذه الأيام، وآخرها يوم الأحد الماضى من شخصية مرموقة ذات خبرة واسعة. لم أسارع بالإجابة وقتها، لكن ما أشاهده على أرض الواقع يقول إننا لا نزال بعيدين عن التقشف بمعناه الحقيقى وليس المظهرى.
يفترض أن تتخذ الحكومة قرارا بين لحظة وأخرى بزيادة أسعار الوقود، فى إطار عملية الإصلاح الاقتصادى الشاملة التى بدأتها فى ٣ نوفمبر ٢٠١٦، بتعويم الجنيه أمام العملات الأجنبية، وهى رفعت بالفعل أسعار تذاكر المترو والمياه والصرف الصحى فى الأيام الماضية.
تقول الحكومة ــ وأنا أتفهم وجهة نظرها ــ إن هذه القرارات حتمية ولا بديل عنها، حتى لا تتفاقم المشكلة.
لكن وإذا كان على الشعب أن يتحمل، ويتناول «هذا الدواء المر»، فهناك دواء مر ينبغى أن تتجرعه الحكومة وأجهزتها ومؤسساتها أيضا، وهو التقشف الشديد، ومن دونه لن يقتنع الشعب بأى مبررات للزيادة، حتى لو كانت حقيقية.
أفضل دعاية تقوم بها الحكومة لكى يتقبل الناس الزيادات المرتقبة ــ إضافة بالطبع لحزمة الحماية الاجتماعية ومقاومة الفساد بلا هوادة ــ، هى أن تتبنى فعلا عملية تقشف صارمة وواسعة ومستمرة، وليست مظهرية وجزئية ووقتية.
مطلوب قرارات عاجلة وسريعة بتطبيق إجراءات التقشف فعلا. تخيلوا حينما يرى موظفو وزارة أو مؤسسة أو هيئة عامة، الوزير أو وكيل الوزارة أو رؤساء الشركات، وكبار العاملين يمارسون حياتهم بتقشف.. ألن يكون ذلك أفضل وسيلة للاقناع؟. وتخيلوا فى المقابل حينما يروا المواكب والسيارات الفارهة والإنفاق الباذخ من المال العام.. فكيف سيصدقون أن هناك أزمة اقتصادية فى البلد، ومطلوب من المواطن أن يتحمل ويصبر؟!.
كيف يمكن تصور أن تكون الحكومة جادة فى الإصلاح فى حين أنها تصرف أرباحا للعديد من الموظفين التى تحقق شركاتهم ومؤسساتهم خسائر متواصلة؟!. طبعا هى تقول إنها مغلوبة على أمرها، وتخشى من ردود فعل اجتماعية واسعة من هؤلاء العمال والموظفين، حسنا.. لكن أليس هناك طريقة لوقف هذا الهدر الذى يتحمله فى النهاية ملايين المواطنين الذين نطلب منهم أن يتقشفوا؟!.
أمر جيد جدا أن نسمع ونقرأ يوميا عن العديد من عمليات الفساد التى تضبطها أجهزة الدولة المختلفة وفى مقدمتها الرقابة الإدارية.. لكن مطلوب من الحكومة أن نتخذ إجراءات حاسمة فى وقف النهب والهدر المنظم فى القطاع العام والحكومى والمشترك، والذى يتم للأسف أحيانا بسبب قصور التشريعات ومناخ عام من غياب المحاسبة، إضافة إلى ضرورة مناقشة كيف يمكن لأجهزة الحكومة أن تحصل الضرائب بصورة كاملة، خصوصا من كبار الأغنياء وليس فقط صغار الموظفين من المنبع.
هناك تجربة مهمة رأيتها بنفسى فى الصين، صاحبة أكبر معدل نمو وأفضل اقتصاد عالمى. كنت هناك فى شتاء العام الماضى برفقة مجموعة من رؤساء ومديرى التحرير بالصحف المصرية، فى ضيافة جامعة بكين للدراسات الحكومية. وأثناء تناول الغداء قالوا لنا: «نعتذر لأن الوجبة لن تكون فاخرة، فالقوانين تحتم علينا ألا يزيد سعرها للضيف الأجنبى عن خمسة دولارات وكوب من الشاى الأخضر، فى إطار خطة للتقشف تشمل أيضا إلزام المسئولين بالتنقل فى سيارات عادية، والسفر على الدرجة الاقتصادية والنزول فى فنادق بسيطة توفيرا للنفقات».
حينها كتبت عن هذه التجربة، وقلت هذا ما فعلته الصين بجلالة قدرها، السنا نحن اولى بهذه الاجراءات؟!.
اليوم أكرر نفس السؤال، وأدعو الحكومة ومؤسسة الرئاسة إلى اتخاذ خطوات جريئة فى هذا الملف. لو تم تطبيق ذلك، فسوف يتحمل المواطنون أى إجراءات صعبة، لأنهم وقتها سيدركون فعلا أن الجميع «فى الهوا سوا»، أو «كلنا فى الهم شرق»، وأن كأس الإصلاح المر سيتجرعه الجميع، وليس الفقراء فقط.

نقلا عن الشروق

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التقشف أولًا التقشف أولًا



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 02:08 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعقد اجتماعًا أمنيًا لبحث التطورات في سوريا
  مصر اليوم - نتنياهو يعقد اجتماعًا أمنيًا لبحث التطورات في سوريا

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 21:40 2019 الخميس ,26 أيلول / سبتمبر

هزة أرضية بقوة 6.5 درجات تضرب إندونيسيا

GMT 02:54 2019 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

خبراء يكشفون عن مخاطر تناول العجين الخام قبل خبزه

GMT 23:10 2019 الجمعة ,05 إبريل / نيسان

نادي برشلونة يتحرك لضم موهبة "بالميراس"

GMT 07:26 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

حسابات التصميم الداخلي الأفضل لعام 2019 عبر "إنستغرام"

GMT 06:56 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

أب يُصاب بالصدمة بعدما استيقظ ووجد ابنه متوفيًا بين ذراعيه

GMT 11:35 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تشيزني يبيًن ما دار مع رونالدو قبل ركلة الجزاء هيغواين

GMT 09:16 2018 الإثنين ,22 تشرين الأول / أكتوبر

زوجة المتهم بقتل طفليه "محمد وريان" في المنصورة تؤكد برائته

GMT 17:55 2018 الإثنين ,24 أيلول / سبتمبر

فستان ياسمين صبري يضع منى الشاذلي في موقف محرج
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon