فى اليوم الذى ظهر فيه الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك ممددا على سرير طبى فى اليوم الأول لمحاكمته بتهمة قتل المتظاهرين فى إبريل ٢٠١١، ظننت يومها وكتبت أن هذا المشهد سوف يجعل الجميع يعد خطواته وأنفاسه ويحاسب نفسه حساب الملكين، قبل أن يفكر فى ارتكاب أى خطأ، وأن مبارك «سيكون لمن خلفه آية» بعد الحكم عليه وعلى حبيب العادلى، فى 2 يونيو 2012، أو حتى بعد إدانته فى حكم نهائى وبات بالفساد واستغلال أموال الدولة فى قضية «القصور الرئاسية» هو ونجليه.
لكن تفكيرى كان مثاليا وساذجا، فلم يمر أقل من عامين وبضعة شهور، إلا وكان الرئيس التالى محمد مرسى وغالبية قادة جماعته داخل السجون بتهمة محاولة أخونة مصر وتغيير هويتها. وبعدها بشهور قليلة ظهر محمد مرسى وقادة الجماعة داخل أقفاص زجاجية فى المحاكم المختلفة.
وللمرة الثانية ظننت يومها أن هذا المشهد الذى يتكرر لرئيسين للجمهورية، فى ظرف أقل من عامين ونصف العام، سيكون عبرة لمن يعتبر ورسالة قاطعة لكل من تسول له نفسه بالفساد أو الانحراف أو التجبر، أو حتى الخطأ البسيط.
ومرت الأيام والشهور والسنوات، وتبين لى أننى كنت ساذجا أيضا. حيث فوجئنا بضباط الرقابة الإدارية، يلقون القبض على وزير الزراعة السابق صلاح هلال فى ميدان التحرير فى سبتمبر 2015، بعد تسجيلهم لمكالمات تؤكد فساده، مقابل الحصول على أموال نقدية وملابس وعضوية أحد الأندية الرياضية ورحلات حج وعمرة!
مشهد القبض على الوزير الذى كان على رأس عمله، جعل معظمنا يعتقد أنه يستحيل أن يتورط وزير أو محافظ أو أى مسئول آخر فى أى قضية فساد مماثلة، لكن للمرة الثالثة، تبين أننا كنا مثاليين وسذج أكثر مما ينبغى. حيث كررت سعاد الخولى نائبة محافظ الاسكندرية التجربة بحذافيرها وتم إلقاء القبض عليها فى 27 أغسطس الماضى!!.
ومع نشاط هيئة الرقابة الإدارية ورئيسها الوزير اللواء محمد عرفان، تبين لنا أن حجم الفساد فى مصرأكبر مما نتخيل، حيث سقط قاضٍ كبير فى مجلس الدولة قبل أقل من عام ثم انتحر، وسقط قاضٍ آخر رئيس محكمة بالجيزة قبل أيام.
لا يكاد يمر يوم تقريبا إلا ونسمع ونقرأ ونشاهد خبرا عن سقوط مسئول فى هذه المحافظة أو تلك. رئيس حى أو سكرتير عام محافظة، أو رئيس القسم الهندسى فى هذه الإدارة أو ذاك الجهاز. رشاوى من كل صنف ولون، من الأموال الساخنة إلى الجنس، بل ورحلات حج وعمرة، ولا أعرف كيف يطلب المرتشى رحلة حج أو عمرة!!!. هل يخدع نفسه أم يخدعنا أم يخدع الله حاشا لله؟!!!.
السؤال الجوهرى من كل ما سبق هو: لماذا لا يتعظ الناس من تجارب ونماذج رءوس الفساد التى تتساقط يوميا؟!
إذا كان وزير الزراعة السابق تم القبض عليه فى الشارع، ومحاكمته وسجنه عشر سنوات، فلماذا لم يتعظ محافظ المنوفية الدكتور هشام عبدالباسط وسقط فى المصيدة؟!
نظريا الرجل برىء حتى تثبت إدانته، لكن هناك تسجيلات له مع رجل الأعمال لتسلم الأموال مقابل تسجيل قطعة أرض له بصورة مخالفة للقانون.
يقول البعض إن النفس أمارة بالسوء، وإن كل الفاسدين يعتقدون أنهم لن ينكشفوا. كما أنه يصعب أن يظل الجميع أنقياء وأتقياء طوال الوقت، وأنه طالما أن هناك يوم قيامة، وجنة ونار، فسيظل هناك أخيار وأشرار، وإلا من الذى سيدخل النار؟!.
فى المقابل يقول البعض إن المهم هو تغيير التشريعات وتشديدها، حتى يفكر كل من تسول له نفسه ألف مليون مرة قبل أن ينحرف، وأن يطبق القانون على الجميع، وعلى الكبير قبل الصغير.
الفساد موجود فى كل مكان بالعالم لكن نسبته قليلة فى البلدان المتقدمة، لأن المناخ والقوانين تحاربه بلا هوادة.
هذه القضايا الكثيرة للفاسدين يوميا، تكشف كيف أجرم نظام حسنى مبارك فى حق هذا البلد، حينما ترك الفساد يرتع ويزدهر، ويقفز من مستوى «الركب» الذى تحدث عنه زكريا عزمى ذات يوم، ليتجاوز الرءوس للأسف.
مرة أخرى شكرا لكل من يحاربون الفساد، وعلينا أن نذكر الفاسدين كل لحظة بأن سقوطهم محتوم، فربما يرتدعون ويتوقفون!
نقلا عن الشروق الفاهريه