كتبت فى هذا المكان قبل أيام ألوم الأحزاب السياسية والمرشحين المحتملين لانتخابات رئاسة الجمهورية، أنهم لم يستعدوا جيدا لهذه الانتخابات قبلها بفترة طويلة.
واليوم، التزاما بالموضوعية، أجد نفسى أيضا ألوم الحكومة والنظام لوما شديدا لأنهم لم يخططوا جيدا للموضوع بأكمله، وبالتالى وصلنا إلى هذه الصورة القاتمة التى وجدنا أنفسنا عالقين فيها الآن، وصار العالم يتندر علينا بسببها.
سيسأل سائل: وماذا كان ينبغى على الحكومة وأجهزتها أن تفعل منذ وقت طويل؟! وقد يجيب هؤلاء بأن رئيس الجمهورية ترشح واستعدت حملته بالتأييدات النيابية الكاسحة «٥٤٩ نائبا»، والتوكيلات الشعبية التى زادت عن ١٧٣ ألف توكيل، بخلاف ما لم يتم تقديمه، فما الذى كان مطلوبا منهم أكثر من ذلك؟!!.
الإجابة ببساطة أن مشهد الاننتخابات بأكمله مسئولية الجميع، أى كل المجتمع، شعبا وحكومة ومعارضة ونقابات ومؤسسات ومجتمعا مدنيا.. وتتحمل الحكومة والنظام المسئولية الكبرى، باعتبارها تضع يدها على غالبية مفاصل الدولة تقريبا.
كان يفترض أن تتحسب الحكومة للحظة التى حدثت بالفعل، وهى عدم وجود مرشح ينافس الرئيس عبدالفتاح السيسى، خصوصا أن المقدمات كانت واضحة للأعمى قبل البصير!!.
رأينا الطريقة التى خرج بها أحمد شفيق بعد إعلان نيته فى الترشح عبر الفيديو الذى بثته «بى بى سى» حينما كان موجودا فى أبوظبى، ثم عاد للقاهرة بطريقة غامضة، وقرر الانسحاب من المعركة تماما.
رأينا أيضا الطريقة التى انتهى إليها مصير سامى عنان، بعد أن ألقى بيانا يعلن فيه ترشحه، ومعه هشام جنينة وحازم حسنى نائبين.
إعلام الحكومة كان يشكك طوال الوقت فى أن خالد على ومحمد أنور السادات لن يكونا قادرين على جمع ٢٥ ألف توكيل، أو الحصول على تأييد عشرين نائبا، ومعنى ذلك أن الحكومة كانت تعلم علم اليقين، أنه بهذه الطريقة لن يكون هناك أى مرشح جدى ينافس السيسى.
وبما أن الحكومة والدولة مسئولتان عن سمعة مصر وصورتها فى الخارج، فقد كان واجبا وجود تصور كامل للمشهد الانتخابى قبل بدايته بفترة.
كان مطلوبا أن يكون هناك نوع من «الهندسة الانتخابية». كنا نتمنى بالطبع أن تكون لدينا انتخابات تنافسية حقيقية، لكن وبما أنها غير موجودة، فكان يفترض بالحكومة أن تجهز المسرح على الأقل بشكل يبدو ديمقراطيا، كما تفعل إيران عبر «مجلس تشخيص مصلحة النظام»، الذى يوافق على كل المرشحين لأى منصب من أول رئيس الحى إلى رئيس الجمهورية، وبالتالى فأى شخص يأتى سيكون مقبولا لكن عبر ديكور ديمقراطى.
الهندسة الانتخابية كانت ستجنبنا هذا المشهد المأسوى الذى أساء إلى الجميع.
أعرف أن البعض فعل ذلك مع خالد على، ولكن فى الوقت الخطأ تماما أى بعد أن «خربت مالطة». هناك اتصالات جرت مع المرشح الرئاسى وتوكيلات جماعية أرسلت إلى حملته ببصمات أصحابها، ولكن بعد إبعاد عنان من السباق. كان يفترض أن يتم ذلك قبل وقت طويل، والأهم بطريقة ناعمة وليست خشنة!!.
أظن أن خالد على قرأ مشهد استعداد البعض لدعمه بعد إقصاء عنان، باعتباره مصيدة قد يخسر فيها كل شىء، ليس فقط الانتخابات ــ وهو أمر مؤكد ــ ولكن سمعته وصورته أمام أنصاره خصوصا الشباب صغير السن.
قبل شهور قلت لأحد المسئولين: «لو كنت مسئولا لشجعت خالد على أو أنور السادات أو أى شخص مماثل بكل الصور والسبل ليستمر فى الترشح، بدلا من عمليات الاغتيال المعنوى التى كان يتعرض لها».
المسئول يومها نفى أى دور للحكومة أو الرئاسة أو الأجهزة فى هذا الأمر، وألقى المسئولية على وسائل الإعلام التى كان بعضها ربما يدافع عن الرئيس والحكومة.
المهم لقد وصلنا إلى مشهد لم نكن نتمنى الوصول إليه، وأتمنى أن يكون ذلك هو المشهد الأخير الذى نظهر فيه بهذه الصورة، وبهذا الأداء المزرى من الإخراج!!.
نقلا عن الشروق القاهريه