بقلم - عماد الدين حسين
بالنسبة لى كان حمدى قنديل نموذجا حقيقيا للإعلامى الذى يعتز ويحترم نفسه.
من حسن حظى أن الظروف أتاحت لى أن أقترب منه وأعرفه إلى حد كبير.
كنت أعمل صحفيا فى جريدة «البيان» الإماراتية وأكتب مقالا أسبوعيا فيها.
فى هذا الوقت كان حمدى قنديل جاء إلى الإمارات ليقدم برنامج «قلم رصاص» على قناة دبى، وكانت أفضل هدية يمكن أن أتلقاها فى هذا الوقت أن يقتبس قنديل جملة أو عبارة أو كلمة من مقالى فى الفقرة الأخيرة من برنامجه بعنوان «قالوا».
لم أصدق نفسى أن قنديل بكل تاريخه الكبير يرى فيما أكتبه شيئا يستحق الاقتباس أو النقل، كنت مثل كثيرين غيرى من الصحفيين والمواطنين المصريين والعرب نحرص على متابعة برنامج «مع حمدى قنديل» على راديو وتليفزيون العرب ثم برنامج «رئيس التحرير»، من التليفزيون المصرى، كان البرنامج دليلا على وجود نقطة نور فى التفكير الإعلامى المصرى وقتها واستعداده لمساحة من الاختلاف والتميز والتنوع.
لكن دوام الحال من المحال، توقف البرنامج لأنه رفض أن يتم ترويضه وأصر قنديل على وجود حد أدنى من الموضوعية والتنوع وعرض كل الأفكار، من الفضائية المصرية ذهب قنديل إلى قناة دريم ليقدم نفس البرنامج ولكن باسم جديد هو «قلم رصاص»، وتكرر نفس الأمر فانتقل قنديل إلى قناة دبى، وبدأ تقديم برنامجه، وكالعادة تحول المشاهدون العرب إلى هذه القناة الناطقة باسم حكومة دبى كى يتابعوه.
فى هذه المرحلة بدأت علاقتى الإنسانية بالأستاذ حمدى قنديل. بدأنا نلتقى بصورة منتظمة، أسبوعية أو شهرية فى مطعم معروف أمام برج دبى الذى صار برج خليفة الآن.
لم أكن وحدى معه، بل كان الصديقان عادل السنهورى وناصر عراق الذى كان فى هذا الوقت مديرا لتحرير مجلة صدى الأدبية المتميزة.
فى هذه الجلسات بدأت أعرف حمدى قنديل الإنسان واكتشفت أنه شخص شديد التواضع والإنسانية، رفيع الثقافة، لديه شبكة واسعة جدا من العلاقات. فى هذه الجلسات استمعنا من قنديل إلى أهم محطاته الإعلامية والسياسية. منذ بدأ العمل فى آخر ساعة وأخبار اليوم. وحقيقة دور الإعلام فى هزيمة يونيو ١٩٦٧. حكى الرجل كيف عاد سيرا على الأقدام من سيناء لمسافات طويلة. كان الرجل كما هو معروف ــ شديد الحب لجمال عبدالناصر وتجربته ــ لكنه كان واعيا جدا للأخطاء الكبيرة التى وقع فيها، وتسببت فيما حدث.
نقد قنديل لتجربة عبدالناصر، جعله يرفض أن يكون بوقا لأى مسئول أو رئيس أو زعيم بعد ذلك، وآمن فعلا بأهمية استقلال الإعلامى والصحفى، وأن تكون هناك مسافة بينه وبين المسئول. هذه النقطة تحديدا هى السبب الذى جعل حمدى قنديل يختلف مع كل وسائل الإعلام التى عمل فيها، بسبب تقلص هامش الحرية. هو كان يرفض أن يقف فى طابور المطبلين، لكنه أيضا كان يرفض أن يكون فى طابور المعارضين بسبب ومن دون سبب. كان نموذجا إلى حد كبير للإعلامى الموضوعى، بفعل تجربته الكبيرة. هو يعتبر أحد الذين حاولوا بناء نموذج مستقل للإعلام، بعد أن كان ترسا فى إعلام الحشد والتعبئة.
حرص قنديل على الاستقلال. هو الذى جعل كل تجاربه تنتهى مع الفضائيات التى عمل فيها، بفعل تدخل الحكومات العربية المختلفة وإجبارها للقنوات على وقف البرنامج أو استمراره لكن تحت السقف المعلن.
من حسن حظى أيضا أننى اقتربت أكثر من الراحل الكبير حينما بدأ يكتب مذكراته المتميزة «عشت مرتين»،
نشرنا حلقات مسلسلة منها فى صحيفة «الشروق» عام ٢٠١٣، قبل أن يتم طبعها فى كتاب مهم صدر من دار الشروق، وحققت مبيعات جيدة، وقدمت صورة صادقة لمسيرة هذا الرجل.
دخل الرجل عالم السياسة، وشارك فى تحضيرات ما قبل ٢٥ يناير ٢٠١١، وكانت له ملاحظات كثيرة على سلوك العديد من السياسيين الذين أوصلونا إلى ما وصلنا إليه.
رحم الله حمدى قنديل والعزاء لكل أحبائه ومريديه وتلاميذه فى الوطن العربى ولأسرته وللفنانة القديرة نجلاء فتحى متعها الله بوافر الصحة.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع