بقلم - عماد الدين حسين
فى اليوم التالى لإبعاد سامى عنان عن الترشح لانتخابات الرئاسة والتحفظ عليه، ذهب بعض الشباب الذين حرروا توكيلات للمحامى الحقوقى خالد على إلى مقر حملته، وطلبوا استعادة توكيلاتهم.
بعض القائمين على الحملة سألوهم عن السر وراء هذا الطلب الغريب. الشباب أجابوا بأن أسرهم أصيبت بالقلق والهلع والرعب من التطورات الأخيرة، وخافوا كثيرا على أولادهم، وطالبوهم بسرعة التوجه إلى مقر الحملة وإلغاء توكيلاتهم، حتى لا تتعرض حياتهم لأى مكروه.
هذه الرواية سمعتها من أحد كبار الداعمين لحملة خالد على مساء يوم الأربعاء الماضى، حينما قابلته صدفة فى استوديو قناة فضائية قبل يوم من إعلان خالد على انسحابه رسميا من السباق الانتخابى. وفى تقديرى أن هذه الحكاية هى أخطر التداعيات التى صاحبت التطورات الأخيرة.
هؤلاء الشباب الذين ذهبوا لاسترداد توكيلاتهم كانت أعمارهم فوق العاشرة بقليل حينما قامت ثورة ٢٥ يناير، وحينما يذهبون إلى مكاتب الشهر العقارى لعمل توكيلات لأى مرشح، فالمعنى الحقيقى أنه لايزال هناك بعض الأمل، فى عدم هجران الشباب ــ أو حتى بعضهم ــ للمشاركة السياسية. وحينما يذهب هؤلاء ويشاركون ثم يصابون بهذه الصدمة، ويقررون استرداد توكيلاتهم فذلك ثمن فادح، سوف يدفعه المجتمع بأكمله إن آجلا أو عاجلا للأسف الشديد.
هذا الشباب استجاب لما يطلبه منهم المسئولون طوال الوقت، بالمشاركة فى العملية السياسية الرسمية والطبيعية. لم يتظاهروا فى الشوارع ــ حتى ولو سلما ــ ولم ينضموا لتنظيمات متطرفة، ولم يحملوا السلاح، ويتحولوا إلى إرهابيين كما فعل غيرهم. وأغلب الظن أن غالبية هؤلاء الشباب أولاد الطبقة المتوسطة القريبة من يسار الوسط الديمقراطى ويعادون فطريا التنظيمات الظلامية المتطرفة. هم يريدون حياة سياسية طبيعية، بها تعددية وتنوع واختلاف، فى إطار القانون والدستور والدولة المدنية.
إقدام هؤلاء على الانسحاب ومحاولة استرداد توكيلاتهم لهما تداعيات خطيرة للغاية. هناك احتمالات كثيرة لهم، إما أن ينضموا إلى حزب الكنبة، «ويشتروا دماغهم أو يكبروها»، وهناك احتمال أن يكفروا بالعملية السياسية برمتها، واحتمال أسوأ أن يتطرفوا بعد أن سلكوا الطريق المشروع والقانونى وانصدموا صدمة كبيرة.
مرة أخرى لا أتحدث عن القانون والدستور، بل عن المواءمة والإدارة الرشيدة، وكيفية جذب الجميع أو الغالبية للعملية السياسية بكل الطرق المشروعة.
سيقول قائل: وهل منعت الحكومة أنصار خالد على من عمل التوكيلات؟!.
الإجابة هى: لا طبعا، وقد يقولون أيضا إن خالد على «تلكك» وانسحب بعد أن أدرك أنه لن يكون قادرا على جمع الـ٢٥ ألف توكيل. وقد يرد خالد على وأنصاره، ويقولون إنهم تعرضوا لمضايقات وعراقيل ومعوقات كثيرة، وقد يكون كل ما سبق صحيحا أو خاطئا. لكن أنا لا يشغلنى اليوم هذا السجال بين خالد على وأنصار الحكومة، بل ما يشغلنى هو الرسالة السلبية التى وصلت إلى قطاعات كثيرة من المجتمع خصوصا الشباب.
والمحزن أن كثيرين لا يلتفتون لهذا الأمر، وخسائره المستقبلية الفادحة. هؤلاء لا يقدرون الآثار السلبية جدا للكوميديا السوداء التى انطلقت عقب التحفظ على عنان أو انسحاب خالد على وقبله محمد أنور السادات.
مرة أخرى لا أدافع عن هؤلاء بل ربما بعضهم ارتكب أخطاء قاتلة، وبعضهم لم يكن مستعدا عمليا للانتخابات بالمعنى الحقيقى، لكن ما أقصده هو «التريقة والقلش والتنكيت» التى انطلقت على وسائل التواصل الاجتماعى حتى بين بعض من يقول علنا إنه مع الحكومة!!.
من أسوأ الآثار أن يبدأ كثيرون فى التعامل مع انتخابات أهم منصب فى مصر، بهذا الشكل من الخفة واللامبالاة.
نقلا عن الشروق القاهريه