بقلم: عماد الدين حسين
هناك ظاهرة طيبة، نرجو أن تستمر، وهى أن أسعار بعض السلع فى الأسواق تشهد هبوطا، أو على الأقل استقرارا. خصوصا أسعار اللحوم والدواجن والعديد من أنواع الخضراوات والفاكهة لاسباب مختلفة يطول شرحها.
صباح الأربعاء الماضى، قرأت خبرا يقول إن أسعار الدواجن من المزرعة انخفضت ثلاثة جنيهات من ٢١ إلى ١٨ جنيها، وأن كرتونة البيض انخفضت إلى ٣٠ جنيها، علما بأن أسعار اللحوم تشهد انخفاضا منذ شهور، لدرجة أن سعر كيلو اللحم، انخفض فى بعض قرى ومدن الصعيد إلى ما دون المائة جنيه.
إذا صح الكلام السابق واستمر، فهل سيتعود التجار، على فلسفة خفض الأسعار، طالما أنهم كانوا ماهرين دائما فى رفعها، خصوصا إذا انخفضت التكلفة، وهل الحكومة قادرة على إجبارهم على هذا التخفيض، خصوصا عبر التسعيرة الجبرية؟!
القاعدة العامة التى يرددها كثيرون فى مصر، منذ سنوات، هى أنه إذا ارتفع سعر سلعة معينة، لأى سبب من الأسباب، فإنه يستحيل أن ينخفض سعرها مرة أخرى، حتى لو زالت الأسباب التى أدت إلى رفعها.
الحكومة من جهتها كانت تستخدم حجة ثابتة، هى أن الارتفاعات المتوالية فى بعض السلع، مثل الوقود مثلا مدعمة من قبل الحكومة، وإن كل الارتفاعات المتوالية، لم تكن تصل بها إلى سعر التكلفة الحقيقى.
فى كل مرة كانت الحكومة ترفع أسعار الوقود، فإن غالبية، أسعار السلع والخدمات ترتفع بنسب مساوية، وربما أعلى.
الضربة الكبرى فى هذا المجال هى تعويم الجنيه المصرى أمام الدولار، فى ٣ نوفمبر ٢٠١٦، والذى تزامن يومها مع رفع أسعار الوقود، مما وجه ضربة قاصمة لملايين المصريين، الذين استيقظوا ليجدوا أن مرتباتهم ومدخراتهم بالجنيه قد انخفضت بنسب تصل إلى ٦٠٪ مرة واحدة. فى خطوة تقول الحكومة دائما إنها كانت ضرورية، وإلا تعرضت البلاد للإفلاس.
فى ظنى أن هناك تطورا مهما حدث منذ نحو شهرين حينما قررت وزارة البترول واللجنة الدائمة للتسعير التلقائى خفض بعض أنواع الوقود للمرة الأولى، ربما منذ عام ١٩٥٢. والسبب هو أن بعض هذه الأنواع كانت قد وصلت إلى سعر التكلفة، ولأن أسعار البترول العالمية واصلت الانخفاض، واستقر سعر الجنيه أمام الدولار، بل وارتفع أمامه أكثر من مرة، فقد كان طبيعيا أن تنخفض أسعار الوقود.
هذه القاعدة نتمنى أن تستمر، ليس فقط فى أسعار الوقود، ولكن فى كل أسعار السلع والخدمات، لكن السؤال هو: من يمكنه فرض ذلك على التجار فى سوق مصرية، تتميز أساسا بالهرجلة والعشوائية والتخبط.. وهل ستقوم الحكومة، بعمل لجان تسعير تلقائى لغالبية السلع، كما فعلت مع الوقود؟!
الإجابة هى أنه يصعب تماما أن تفعل ذلك، لأن الوقود يمكن معرفة سعره عالميا، لكن لا يمكن أن تكون لكل سلعة هذه الآلية. السؤال الثانى الذى يكرره كثيرون هو: ولماذا لا تقوم الحكومة بالتسعير الجبرى للسلع؟!. الاجابة انها لا يمكنها أن تفعل ذلك، أولا لأنها تقول إنها ملتزمة بسياسة العرض والطلب، وثانيا أنه طالما أن الدولة خرجت من السوق، أو من معظمه، فلا يمكنها أن تضبط السوق، إلا إذا عادت إليه كمنتج مرة ثانية، ولم يعد فى مقدورها إلا أن تلعب دور المنظم والمنسق، وأحيانا دور المنتج بنسبب معقولة كما نلحظه فى السلع التى تطرحها بعض الوزارات مثل الداخلية والتموين والقوات المسلحة، مما يضبط الأسعار إلى حد ما.
المبدأ الذى يستند إليه كثيرون هو أنه طالما أن سلعة مثل الطماطم تهبط أحيانا إلى سعر جنيهين أو ثلاثة للكيلو فى حالة وفرة الإنتاج، فإن قواعد السوق أى العرض والطلب تظل هى الآلية الأفضل، لأنه ببساطة كلما زاد الإنتاج انخفضت الأسعار والعكس صحيح.
فى تقدير هؤلاء أن العام الأخير شهد فعلا، انخفاض أسعار العديد من السلع أو استقرارها، لأن السوق تشهد منافسة صحية حقيقية، وذلك هو الضامن الحقيقى، وليس أى قرارات إدارية، لم يعد ممكنا تطبيقها الان. لكن المؤكد أن هناك مشكلة حقيقية فى أجهزة الرقابة خصوصا مفتشى التموين وبعض موظفى المحليات، الذين يتركون المستهلكين فريسة لجشع بعض التجار، ليس فى سلعة مثل الطماطم، ولكن مثلا فى أسعار المواصلات التى يفترض أن تكون محددة. هنا المشكلة الكبرى وهى تواطؤ بعض التجار مع بعض موظفى المحليات والتموين، مما ينتج عنه العديد من المشاكل والأزمات، ولا أحد يعرف كيف يمكن معالجة هذا الخلل، والمؤكد أنه يستحيل أن نحل هذه المشكلة بلجنة تسعير تلقائى؟!