بقلم - عمر طاهر
من أكثر الأشياء التى تحتاج للرقابة الإدارية فى مصر ربما أكثر من الفساد المالى هو فساد إسناد المناصب وتكليف الأشخاص بأن يكونوا أصحاب قرار، أيا كان المجال الذى ينتمون إليه.
كمية الناس «اللى مالهاش فيها» أصبحت عبئا على البلد، وهم يورثون بعضهم البعض، وفى نفى الناس الفاهمة قصص درامية فى كل شبر فى مصر.
خريطة تحريك الأمور فى مصر تحفل بهذه القيادات قليلة الوعى والكفاءة، أشخاص كانت مؤهلاتهم للترقى واعتلاء المنصب كل ما هو بعيد عن منطق الأمور.
حملات تفتش وتسأل عن كل واحد موجود فى منصب وفى يده سلطة اتخاذ قرار، تفتش وتسأل «أنت موجود هنا ليه؟»، «بأمارة إيه؟»، ما هى مؤهلاتك، وما هى إنجازاتك التى سبقت توليك هذه المسؤولية، من أمناء المكتبات العامة إلى مسؤولى النظافة إلى إدارات المحطات التليفزيونية والسياحة والحكم المحلى.
أتمنى يوما ما أن تظهر مادة فى القانون تحاكم الناس التى تمنح الفرص فى أى مكان، وتكون هناك تحقيقات جادة ومستمرة تسأل طول الوقت: «إنتوا بتدوا فرص لمين وليه؟»
لأنه تقريبا هذه هى أكثر منطقة فيها فساد فى مصر «بس ماحدش بيقول».
لو طلبت من كل واحد أن يتحدث عن مجاله وفساد منح الفرص فيه ستسمع أعاجيب، وهو أمر محبط، وقبل يومين كنت أمر من ميدان سفنكس فوجدت لافتة مرورية مقسومة لنصفين، نصف مكتوب عليه «السيرك القومى» والثانى «مطار القاهرة»، هذه اللافتة تلخص الكثير، فهى تتحدث عن اختيارين للحياة فى هذه الأيام، إما الهروب عبر المطار، أو العثور على طريقة يمكنك أن تتعايش بها داخل السيرك القومى، سيرك لا يعرف الواحد فيه طريقة طبيعية سهلة ومنطقية تساعده على أن يخطو بنظام إلى الأمام.
الحملة على فساد منح الفرص فى مصر أهم كثيرا من حملات التعدى على الأراضى الزراعية، لأنه فساد يتلف أعمارا وليس مجرد كام قيراط.
لو قامت حملات من هذا النوع تدقق فى أحقية أصحاب المناصب وسلطة القرار وتتابع الطريقة التى يتم بها منح الفرص سننتعش جميعا، سيصبح لدينا بلد يسير بالأصول والمنطق، سنغرق فى نعيم عقليات وكفاءات مهدرة، سيصبح أمام كل واحد طريق واضح يسلكه لما يحلم به دون أن يقطع عليه السكة مجاملات وفساد وجهل وأمراض نفسية وكل ما يجعله «يلف» ويختار اتجاه المطار.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع