بقلم - عمر طاهر
كنت ضيفا فى عدة ندوات خارج القاهرة خلال الفترة الماضية، كنت ألاحظ دائما أن الناس هناك تعبر عن امتنانها كون الزائر أحد الكتاب الذين يعيشون فى العاصمة ويظهرون فى صحفها وإعلامها، وهو أمر نادر بالنسبة لهم، قال لى أحدهم «آخر حد زارنا كان عم سيد حجاب فى 2004»، وفى آخر ندوة وقف أحد الضيوف ليشكر إدارة المكتبة العامة على استضافتى ويلومنى على أننى لم أزرهم إلا بعد دعوة رسمية، هنا تراجعت عما قررت أن أحتفظ به لنفسى وقلت له: لم يوجه لى أحد أى دعوات، أنا من طلب زيارة المحافظة لعمل ندوة.
قابلت فى الأقاليم شبابا يسأل ويناقش ويتكلم بشكل أفضل كثيرا من الشباب الذين نراهم فى المؤتمرات الرسمية بالبدل الكاملة، يتعامل كل شاب خارج العاصمة مع الثقافة بمجهود فردى بحت، يجب أن نعترف أننا فى مرحلة لا تعترف فيها الجهات الرسمية بمسألة الثقافة والكتاب كما يليق بدولة تبحث عن نقلة حضارية، وتأمل كيف أن محطات مصر بها أكثر من 60 برنامجا يحلل المباريات ويقدم وصفات الطعام ويستضيف نجوما يحكوا عن ذكريات الفشل المدرسى ولا يوجد فى المقابل برنامج ثقافى واحد، كانت الثقافة محل اهتمام فى فترة مراهقة الواحد، وراجع خريطة البرامج التليفزيونية فى فترة الثمانينات ستجد برامج تثقفك فى كل شىء من السينما إلى عالم الحيوان، ومن دروس الدين بلا فتوى إلى عالم البحار، من سهرات نجمها يوسف إدريس إلى أفلام تسجيلية ترصد مناطق مهمة من روح مصر.
وقف شاب فى إحدى الندوات التى كنت فيها قائلا بإيجاز: «عايزين بس حد يجى يتكلم معانا».
معرض كتاب كل شهر فى محافظة فى مصر يستمر لأيام على هامشه يتواجد كبار الكتاب والمثقفين- الحقيقيين وليسوا الموظفين- ليتكلموا مع الشباب، حالة حوار تنعش العقول، مسابقات حقيقة وجوائز عليها القيمة ودعم للورق والأحبار وفواتير كهرباء المشتغلين فى الكتاب والثقافة، برامج ثقافية، لن أقول برامج تناقش الأدب الروسى، ولكن فيلم تسجيلى يناقش حياة النمل سيكون مفيدا أكثر من برامج كثيرة نعرفها جميعا.
لا أعرف لماذا أغفلت الجهات الرسمية الخطوة الأولى التى يجب أن تسبق أى عملية بناء؟ الأسفلت فى حد ذاته لا يصنع حضارة ولكن يصنعها العقول التى تسير على هذا الأسفلت.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع