توقيت القاهرة المحلي 08:57:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سر التقفيل

  مصر اليوم -

سر التقفيل

بقلم - عمر طاهر

بخصوص سؤالك عن ضعف سمعة «التقفيل المصرى»، والشكوى المستمرة عندنا من الصنايعية، عام 1517 قرر السلطان «سليم الأول» نقل العمال المهرة فى مختلف التخصصات إلى «اسطنبول» عاصمة الدولة العثمانية، واختار كل «الشطار» الذين كانت مصر تبرق بـ«شغل إيديهم»، كان قرارا قاسيا بعقوبات مؤلمة لم يقو أحد على الفرار منه، كان سليم الأول قد جعل لكل حرفى ضامنا مسؤولا عنه، وتتم معاقبة الضامن إذا «خلع» الحرفى، فتورط الشعب فى تسليم بعضه البعض لمركز التجمع فى ميناء الإسكندرية.

وحسب كتاب حلمى النمنم «أيام سليم الأول فى مصر» كان عدد العمال وقتها 1800، وفى رواية أخرى أضعاف هذا الرقم تم تحميلهم على مركبين، وكانت ذروة القصة أن غرقت مركب تحمل معظمهم ومات كل من عليها، وبعد عام وصلت إلى القاهرة أخبار المركب الآخر عبر خطابات حملها شخص عثمانى إلى القاهرة، وكانت هذه الخطابات تنقل اللوعة والأسى وأخبار من ماتوا هناك.

انتهى كلام كتاب التاريخ، وتبدأ الآن فقرة «الفتى»، أعتقد أنه بعد كل ما حدث لجأ الصنايعية المصريون إلى تخبئة مهارتهم، خوفا من أن تقتلهم كما قتلت من سبقوهم، اضطر الصنايعى المصرى إلى وضع لمسة على عمله تقول إنه لا يستحق شرف السفر إلى اسطنبول، وكانت رداءة التقفيل سببا كافيا لاتقاء شر سليم الأول، حيلة دفاعية قد تكون أفسدت المهنة لكنها أنقذت حياة كثيرين.

ستقول لى إن هذا الكلام مرت عليه قرون طويلة ولا معنى لاستمراره، دعنى «أفتى» من جديد وأقول لك إن تفصيلة وضع لمسة تنفى المهارة تحولت بالوقت إلى تفصيلة فى «جينات» الصنايعى، لم تعد اختيارا، أصبحت خاضعة لقوانين التطور والوراثة، عندك مثلا الزرافة، عندما جفت الحشائش فى الأرض لم يكن هناك مصدر للطعام سوى ورق الأشجار، وبالوقت طالت رقبة الزرافة حتى تطول هذا الطعام، ثم انتهى الجفاف وعادت الحشائش، ولكن رقبة الزرافة لم تعد كما كانت، كذلك اختفى سليم الأول لكن مهارة العمال لم تعد كما كانت.

أحد المستشرقين أعد كتابا عن «الطوائف والحرف المصرية فى القرن 18»، اندهش من ضعف المهارة فى المهن الصريحة مثل «النجارة» مقارنة بمهارة هائلة فى مهن «متدارية» مثل «الأرابيسك»، وعندنا حاليا قد يبدى الصنايعى دهشته إذا ما خرجت صنعته بدون خطأ واحد وقد يصارحك كزبون بأن «قرفتك حلوة» وأنه لم يكن يقصد هذه الجودة، ويجتهد فى البحث عن تفسيرات من نوعية «انت ابن حلال»، ويؤكد أحيانا أنه «والله ما أعرف أعملها تانى».

تسألنى وكيف تمضى الحياة بهذا الشكل؟ إذا وجدت صنايعى مهارته تقترب من الـ70% فأنت أمام أحد هؤلاء المهرة الذين ابتلعهم البحر، وكل ما يحتاجه لتعويض الـ30% الناقصة هو الشعور بالأمان، يرى الحرفى فى كل زبون «سليم أول»، ولا أحد فينا يدخر جهدا ليظهر كمستبد، فيلجأ الحرفى دفاعا عن نفسه إلى «العك» وضرب المواعيد و«الطلسقة»، ليس فى الأمر إهانة لك كزبون لكنها حيل دفاعية نفسية موجودة بداخله تخضع لقوانين الوراثة. لابد أن يتمرن الواحد على طولة البال والتفهم وتقدير هذا الخوف ومنح الحرفى صلاحيات «المعلمة» واستبدال «شغل وحش زى وشك» بـ«تسلم إيدك بس فيه أحسن بكتير».

رقبة الزرافة العالية تنحنى بمرونة عالية لمن يقدم لها «جزرة» وعلى وجهه ابتسامة.

محبتى.. عمر

نقلا عن المصري اليوم القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سر التقفيل سر التقفيل



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon