توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سر التقفيل

  مصر اليوم -

سر التقفيل

بقلم - عمر طاهر

بخصوص سؤالك عن ضعف سمعة «التقفيل المصرى»، والشكوى المستمرة عندنا من الصنايعية، عام 1517 قرر السلطان «سليم الأول» نقل العمال المهرة فى مختلف التخصصات إلى «اسطنبول» عاصمة الدولة العثمانية، واختار كل «الشطار» الذين كانت مصر تبرق بـ«شغل إيديهم»، كان قرارا قاسيا بعقوبات مؤلمة لم يقو أحد على الفرار منه، كان سليم الأول قد جعل لكل حرفى ضامنا مسؤولا عنه، وتتم معاقبة الضامن إذا «خلع» الحرفى، فتورط الشعب فى تسليم بعضه البعض لمركز التجمع فى ميناء الإسكندرية.

وحسب كتاب حلمى النمنم «أيام سليم الأول فى مصر» كان عدد العمال وقتها 1800، وفى رواية أخرى أضعاف هذا الرقم تم تحميلهم على مركبين، وكانت ذروة القصة أن غرقت مركب تحمل معظمهم ومات كل من عليها، وبعد عام وصلت إلى القاهرة أخبار المركب الآخر عبر خطابات حملها شخص عثمانى إلى القاهرة، وكانت هذه الخطابات تنقل اللوعة والأسى وأخبار من ماتوا هناك.

انتهى كلام كتاب التاريخ، وتبدأ الآن فقرة «الفتى»، أعتقد أنه بعد كل ما حدث لجأ الصنايعية المصريون إلى تخبئة مهارتهم، خوفا من أن تقتلهم كما قتلت من سبقوهم، اضطر الصنايعى المصرى إلى وضع لمسة على عمله تقول إنه لا يستحق شرف السفر إلى اسطنبول، وكانت رداءة التقفيل سببا كافيا لاتقاء شر سليم الأول، حيلة دفاعية قد تكون أفسدت المهنة لكنها أنقذت حياة كثيرين.

ستقول لى إن هذا الكلام مرت عليه قرون طويلة ولا معنى لاستمراره، دعنى «أفتى» من جديد وأقول لك إن تفصيلة وضع لمسة تنفى المهارة تحولت بالوقت إلى تفصيلة فى «جينات» الصنايعى، لم تعد اختيارا، أصبحت خاضعة لقوانين التطور والوراثة، عندك مثلا الزرافة، عندما جفت الحشائش فى الأرض لم يكن هناك مصدر للطعام سوى ورق الأشجار، وبالوقت طالت رقبة الزرافة حتى تطول هذا الطعام، ثم انتهى الجفاف وعادت الحشائش، ولكن رقبة الزرافة لم تعد كما كانت، كذلك اختفى سليم الأول لكن مهارة العمال لم تعد كما كانت.

أحد المستشرقين أعد كتابا عن «الطوائف والحرف المصرية فى القرن 18»، اندهش من ضعف المهارة فى المهن الصريحة مثل «النجارة» مقارنة بمهارة هائلة فى مهن «متدارية» مثل «الأرابيسك»، وعندنا حاليا قد يبدى الصنايعى دهشته إذا ما خرجت صنعته بدون خطأ واحد وقد يصارحك كزبون بأن «قرفتك حلوة» وأنه لم يكن يقصد هذه الجودة، ويجتهد فى البحث عن تفسيرات من نوعية «انت ابن حلال»، ويؤكد أحيانا أنه «والله ما أعرف أعملها تانى».

تسألنى وكيف تمضى الحياة بهذا الشكل؟ إذا وجدت صنايعى مهارته تقترب من الـ70% فأنت أمام أحد هؤلاء المهرة الذين ابتلعهم البحر، وكل ما يحتاجه لتعويض الـ30% الناقصة هو الشعور بالأمان، يرى الحرفى فى كل زبون «سليم أول»، ولا أحد فينا يدخر جهدا ليظهر كمستبد، فيلجأ الحرفى دفاعا عن نفسه إلى «العك» وضرب المواعيد و«الطلسقة»، ليس فى الأمر إهانة لك كزبون لكنها حيل دفاعية نفسية موجودة بداخله تخضع لقوانين الوراثة. لابد أن يتمرن الواحد على طولة البال والتفهم وتقدير هذا الخوف ومنح الحرفى صلاحيات «المعلمة» واستبدال «شغل وحش زى وشك» بـ«تسلم إيدك بس فيه أحسن بكتير».

رقبة الزرافة العالية تنحنى بمرونة عالية لمن يقدم لها «جزرة» وعلى وجهه ابتسامة.

محبتى.. عمر

نقلا عن المصري اليوم القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سر التقفيل سر التقفيل



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon