بقلم - كريمة كمال
حدثت هذه الواقعة فى أتوبيس عام.. وضعت نهال الزوجة رأسها على كتف زوجها، وفجأة اندفع الرجل الجالس وراءهما لينهال بالضرب على الزوجة مرددا عبارات غاضبة، ومرددا عبارات دينية من قبيل هذا فحش وهذا عهر، وعندما تدخل الزوج ليعترض، انهال الرجل بالضرب عليه هو أيضا كل ذلك لمجرد أن الزوجة جرؤت على أن تضع رأسها على كتف زوجها بينما تبين فيما بعد أن الزوجة طبيبة امتياز ووضعت رأسها على كتف زوجها لشعورها بالإرهاق الشديد نتيجة لساعات عملها الطويلة الشاقة.
من الذى أعطى الرجل الحق فى أن يعترض بهذا الشكل الفج وما الذى أغضبه إلى هذا الحد فى تصرف بسيط ليس به أى نوع من أنواع الانحراف؟ وهل أصبحنا مجتمعا رافضا لأبسط مظاهر الإنسانية؟ الإجابة ليست فى تصرف الرجل العنيف وحده لكن الإجابة حقا بل الصدمة هى فى التعليقات التى جاءت على الواقعة على مواقع التواصل الاجتماعى والتى كان الكثير منها لا يقل عنفا عن تصرف الرجل نفسه فمن كتب هل أصبحنا مجتمعا غربيا حتى تتصرف هذه الزوجة بهذا الشكل ومن كتب أين الحياء.
ليست هذه هى الواقعة الوحيدة التى ترصد تغير المجتمع ليصبح مجتمعا متشددا رافضا للمحبة يدين أبسط التصرفات فهناك واقعة أخرى أكثر عنفا وأكثر دلالة أيضا وهى الواقعة التى حدثت على شاطئ الإسكندرية عندما كانت أسرة مصرية تستمتع بالتصييف على الشاطئ والزوجة ترتدى جلابية وتحاول أن تستمتع بمياه البحر مثلها مثل الكثيرين فتحرش بها رجل، وعندما ضاقت به واعترضت تدخل زوجها وحاول نهره ومنعه ما كان من هذا الرجل إلا أن أخرج سلاحا وطعنه به فسقط مضرجا فى دمائه التى اختلطت بمياه البحر وسط صدمة المصطافين.
الأهم من كل هذا العنف الغريب والطارئ على مجتمعنا هو أيضا التعليقات التى جاءت على مواقع التواصل الاجتماعى تعليقا على الواقعة الدامية، فبدلا من أن يكتب الناس ليدينوا كل هذا العنف كتب أغلبهم يدين الضحية وهو الزوج لأنه سمح لنفسه أن يأخذ امرأته إلى الشاطئ لتنزل إلى المياه وتختلط بالناس على الشاطئ وأنها لو بقيت فى منزلها لحافظت على نفسها ولما تعرضت للتحرش وانهالت التعليقات على الضحية بدلا من أن تنهال على الجانى وملخصها كلها أنه من الأفضل أن يحتمى الإنسان ببيته لكى لا يتعرض للعنف.
الصدمة ليست فقط فى تفاصيل الواقعتين بل الصدمة الحقيقية فى التعليقات التى جاءت على الواقعتين هى فى ردة فعل المجتمع عليهما مما يكشف كيف يفكر هذا المجتمع وهل هو مجتمع صحيح أم أنه مجتمع مريض؟.. هذا بكل المقاييس ليس مجتمعا صحيحا بل هو مجتمع مريض يعانى من التزمت والتشدد والخوف من الاختلاط مع الآخر ومصادرة أبسط المظاهر الإنسانية.. هذا مجتمع ينزلق أكثر وأكثر ليس نحو العنف فقط بل نحو الانغلاق والمصادرة.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع