بقلم - كريمة كمال
هذا هو السؤال المطروح بحق الآن، والذى تبدت إجابته واضحة جلية.. فقبل أن تعلن الهيئة الوطنية للانتخابات عن فتح باب الترشح بدأ بالفعل التجاوز فى هذا الحياد المطلوب من كل أجهزة الدولة فى الانتخابات الرئاسية القادمة، وهو تجاوز إن استمر يفرّغ هذه الانتخابات من مضمونها، ويحولها لمواكب مبايعة للرئيس.
والخطورة هنا أن كل أجهزة الدولة تستمر فى ذلك، دون أن تدرك أنها تحول الانتخابات من تنافسية حقيقية إلى مواكب مبايعة للرئيس أو ربما هى تدرك وتسعى لترسيخ ذلك! فما معنى أن تستمر وسائل الإعلام الرسمية، وغير الرسمية فى الانحياز السافر المعلن للرئيس حتى قبل أن يعلن عن فتح باب الترشح، ورغم أن الرئيس نفسه لم يعلن عن ترشيح نفسه حتى الآن، ومع ذلك فبرامج الإشادة بإنجازات الرئيس مستمرة على كل شكل ولون، سواء التسجيلية منها أو الحوارية أو حتى التلقينية التى تذاع كل ليلة لمقدمى برامج يروجون للرئيس فى الافتتاحيات الخاصة ببرامجهم قبل أن يستضيفوا أحدا يكمل حوار الإنجازات.
فأين هنا الحياد؟ وأين حق المرشحين الآخرين فى التحدث إلى الناس؟ وهم إن تذكرتهم هذه البرامج، فهى تتذكرهم بالتشويه والتقليل من الأهمية، ونحن لم ننسَ بعدُ الدور الذى لعبته هذه البرامج وهذا الإعلام فى تشويه من ينوى الترشح إلى حد السقوط فى الجرائم الإعلامية من تعدّ وسب وقذف دون محاسب أو رقيب فى الوقت الذى يظهر فى الأفق كل ما جرى لمنع من أعلن نيته الترشح من الترشح، وليس مهما هنا ما تم الترويج له، بل ما استقر لدى الناس من قناعات حول حقيقة ما جرى.
الأمر لا يتوقف عند الإعلام بل إنه يمتد إلى مؤسسات الدولة كلها فرغم أن مجلس النواب مطالب بالحياد كسلطة تشريعية فى مواجهة سلطة أخرى هى السلطة التنفيذية التى يعلوها الرئيس إلا أن المجلس لم يراعِ لا الحياد المطلوب ولا الوقار المطلوب، وانطلق إلى مبايعة الرئيس فى شبه إجماع دون حتى إعطاء فرصة ولو شكلية فى الاستماع لباقى المرشحين.. أما الأمن فحدث ولا حرج، ويكفى الشكوى التى تقدم بها «محمد أنور السادات» للهيئة الوطنية للانتخابات والتى يشكو فيها من عدم قدرته على حجز قاعة فى فندق لعمل مؤتمر صحفى لإعلان نيته الترشح، حيث اعتذرت كل الفنادق وهو ما سبق أن حدث مع «خالد على» من قبل.. فهل يستقر لدى الناس الإحساس بأننا أمام انتخابات حقيقية فى الوقت الذى تقام فيه فعاليات حملات تأييد الرئيس فى مختلف الفنادق، بينما يمنع أى مرشح آخر من مجرد حجز قاعة؟
هناك تسابق بين أجهزة الأمن والمحليات فى المشاركة فى حملات التأييد الشعبية للرئيس التى تقيم المؤتمرات وتعلق اللافتات والتى لا يعلم أحد من يقف وراءها ومن يمولها، حتى إن كثيرا من المحافظين قد أعلنوا عن تأييدهم للرئيس دون الأخذ فى الاعتبار أنهم على رأس أجهزة للدولة المنوط بها أن تتحلى بقدر من الحياد لكن الواقع أن كلا منهم يسارع بأن «ينقط» حرصا على موقعه دون أن يدرك أنه يورط أجهزة الدولة فى الانحياز حتى قبل أن يعلن الرئيس نفسه عن رغبته فى الترشح، ومن هنا نجد لافتات التأييد تملأ الشوارع والمؤتمرات تحتل الفنادق، وبالطبع رغم تقدم المرشحين بالشكاوى للهيئة الوطنية للانتخابات من كل هذه المظاهر التى سبقت فتح باب الترشح، إلا أن الهيئة لم تحرك ساكنا.
الخسارة الحقيقية فى كل هذا الأداء أنه يعكس أننا محلك سر وأننا لم نخطُ ولو خطوة واحدة فى اتجاه الدولة الديمقراطية.. وأن الانتخابات تدار بما يفرغها من محتواها وينزع عنها مصداقيتها ويحولها لدى كثير من الناس إلى مسرحية معروف سلفًا خاتمتها، ومرة أخرى هل بعد ذلك نطالب الناس بالمشاركة؟
نقلا عن المصري اليوم القاهريه