بقلم: خالد منتصر
أعرف أن وزير التربية والتعليم يستمع جيداً لكل رأى حريص على تجديد دماء العملية التعليمية، وهذه رسالة من الأستاذ صالح سعد من دمياط، وهو مهموم بمشاكل التعليم المصرى منذ فترة كبيرة، وصلتنى منه تلك الرسالة المهمة التى أرجو أن يهتم بها د. طارق شوقى، يقول صالح سعد:
فن التدريس هو الفن الذى يجعل المتعلمين يعبرون ويقرأون ويفهمون، يفكرون ويحللون، يستنتجون ويركبون، والمدرس الجيد كالبستانى الذى لا يحاول أن ينمو بدل نباتاته، وهو كالمايسترو لا يعزف عوضاً عن عازفيه، وهو كوكيل الرحلات الذى لا يسافر نيابة عن زبائنه من السياح، التعليم كما نرجوه ونتمناه حفز وتمكين، لا هو حفظ ولا تلقين، المفهوم الصحيح لفن التدريس على خلاف ما هو سائد فى النماذج الأكثر انتشاراً، حيث أكثر من ثمانين فى المائة من وقت الكلام يهيمن عليها المدرس الذى يقوم بنفسه بالعمليات العقلية المركبة، فى حين أن هذا المدرس مطالب بترك مسئولية التعلم لمتعلميه من أجل التعلم وإثارة فضولهم خلال مرحلة التحفيز وتعزيز قابليتهم وضمان اهتمامهم وانجذابهم للمجهول فى حالة مادة جديدة للدراسة، وهكذا، فإن النباتات الصغيرة التى هى المتعلمون يمكنها أن تنتج ثماراً عن طريق شهية المعرفة والتساؤلات والتفكير والتحفز والإبداع، فيكون التعليم كما نرجوه ونتمناه: «حفز وتمكين.. لا هو حفظ ولا تلقين، صحيح قد يحتوى الكتاب المدرسى المصرى على 80% من المعلومات التى تحتويها كتب العلوم فى البلاد الأجنبية المتقدمة ولكن العبرة ليست فى معلومات المقرر التلقينى، إنما العبرة فى طريقة المنهج التربوى الذى تتم به معالجة هذه المقررات، فهدف التربية الأسمى أن يتعلم الطلاب كيف يفكرون، لا كيف يحفظون، وهذا هو الفارق بين المنهج والمقرر، وبين وظيفة المربى والملقن، وبين تربية هدفها الحفز والتمكين، وتلقين هدفه الحفظ والتدجين.
لا نريد تعليماً من نوع «التدجين التربوى»، يتحول فيه الطلاب إلى أوانٍ فارغة ومخازن تودع بها نصوص ومحفوظات يحفظها الطلاب عن ظهر قلب وممنوع اللمس، إنه تعليم يسير على طريقة الودائع البنكية «إيداع وسحب»، وتنتظم علاقة التلميذ والملقن فى «التعليم البنكى» على النحو التالى:
الملقن يعلم والتلميذ لا يعلم، الملقن يلقن والتلاميذ يتلقون، الملقن وحده يفكر والطالب لا يفكر، الملقن يتكلم والتلميذ يستمع وينصت، الملقن ينظم والطالب لا ينظم، الملقن يختار ويفرض اختياره والطالب يذعن، الملقن يتصرف والطالب يعيش فى وهم التصرف من خلال عمل الملقن، الملقن هو قوام العملية التلقينية والتلاميذ نتيجتها.
والملقن وتلاميذه تابعون أذلاء لواضع «المقرر التلقينى»، ويقوم الملقن وتلاميذه بملء وتفريغ وسحب نصوص المقرر التلقينى متى طُلب منهم ذلك، ولا اختيار أمامهم وإلا تعرض التلاميذ للهلاك والعقاب، وويل للمبدعين من «بعبع الامتحان» الذى يكرم فيه المرء أو يهان، ولسان حاله يقول: لولا سلامك سبق كلامك لأكلت لحمك قبل عظامك، وأخرج كل من لم يدخل بيت «الطاعة المدرسية» ذليلاً مهاناً، يجرجر خيبة وعار الرسوب ويصبح فاقداً للأهلية والصلاحية التعليمية، وبمرور الوقت فإن بعض الطلاب ممن شاهدوا الملك عارياً يشعرون بالقهر، ويتسربون، ويكتشفون أن «التربية التلقينية» من مخلفات عصر القطيع والعبيد ويخرجون من «غرفتهم المعرفية المغلقة» من ظلام الغرفة إلى ضوء النهار وشمس «التعليم الحوارى» ويسلكون طريق التحرر وفيه يتمكن المقهورون من كتابة تاريخ جديد للبشرية، إنه ميثاق جديد لتعليم يحرر الإنسان، وفيه يتعلم كيف يعيش حراً ويتعلم كيف يتعلم حتى يتحرر من التبعية ويكتسب دائماً معرفة جديدة طوال حياته ويتعلم كيف يفكر بطريقة حرة وكيف ينقد نقداً بناءً ويتعلم كيف يكون كى لا يتعرض لسرقة عقله وقلبه وعرقه، ويتعلم أن مشروع التربية الحوارية هو جوهر التربية الحقيقى لإعادة بناء العالم على أسس عادلة منصفة، ويستعيد فيها الإنسان حق تقرير مصيره، يحدث هذا.. عندما تصبح التربية عبارة عن «حفز وتمكين لا حفظ فيها ولا تلقين».