توقيت القاهرة المحلي 23:35:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مصر النجيبة المحفوظة

  مصر اليوم -

مصر النجيبة المحفوظة

بقلم: خالد منتصر

مَن هو نجيب محفوظ؟ باختصار نجيب هو مصر التى نريد استعادتها، مصر التى تاهت ملامحها مع عشوائيات الزمان والمكان، وخفت نار ونور إشعاعها مع تجريف أخلاقى مرعب حدث على مدى عشرات السنوات من خراب منظومة التعليم وترك الشارع لضباع سماسرة الدين. نجيب محفوظ هو عصارة مصر الحقيقية التى نريد استرداد خلطتها السرية من الصندوق الأسود للزمن، من خزانة ذكريات الماضى القابع فى مغارات على بابا. نجيب محفوظ هو روح مصر ما قبل غزوات الوهابية السلفية، إنسان بسيط معجون بروح الجمالية والحسين، لم يعش ويغش بقناع الملاك الذى لا يخطئ، عاش بوجهه الحقيقى، بل جرب كل شىء، بمعنى كل شىء حتى النساء فى بيوت الهوى، لأنه ببساطة إنسان، والأهم أنه روائى لا يمكن أن يعيش فى صوبة من أوهام المثاليات المستحيلة التى تتعامل مع البشر كروبوتات من فولاذ، بل كان ولا بد أن يمشى فى أوحال الشارع ليعرف تضاريسه، ابن نكتة لا يعرف التجهم، بل إنه مارس مصارعة القافية فى مقاهى الحسين وكان دائماً النجم المنتصر فى كل المنازلات، موظف يقدس الوظيفة، وظل حتى سن الستين موظفاً يأكل عيشه من راتبه المنتظم، وأخلص للرواية نفس إخلاصه للوظيفة، هذا الإخلاص الذى افتقدناه كما افتقدنا روح البهجة المحفوظية، والإنسانية الطبيعية المحفوظية، أطلق عليه محمد عفيفى رجل الساعة من فرط نظامه ودقته، لم يكن مقتنعاً بمسألة أن الفوضى هى أم الموهبة، فقد كان يجلس فى ساعات معينة بالنهار أمام قلمه وأوراقه، حتى ولو لم يكتب حرفاً، فهذه مهمة مقدسة تستحق الاحتشاد والتفرغ، ولأنه خريج فلسفة بالأساس وتلميذ سلامة موسى، فقد ظل حياته يبحث عن الله، عن الضمير، عن الوجود، عما يخفف أو يفسر عبثية الحياة، ظل السؤال مؤرقاً، وعلامة الاستفهام مستفزة، سألها فى «الطريق» باحثاً عن سيد الرحيمى، وفى «أولاد حارتنا» باحثاً عن الجبلاوى، فى «الشحاذ».. إلخ، لم يتكبر على طلب الإجابة حتى من عابرى السبيل وصعاليك الحوارى وفتوات الأحياء الشعبية، وعندما لم يجد ما يكتبه فى فترة ما قبل الثلاثية وضع القلم جانباً وامتنع عن الكتابة سنوات طويلة، فهو كاتب وليس تاجر خردة أو «حانوتى» تحت الطلب. نجيب محفوظ هو مصر التى نريد استعادتها، نجيبة ومحفوظة، مصر المبتهجة التى ابتسامتها مثل نجيب باتساع السماء، العاقلة، الحكيمة الفيلسوفة التى لا تخشى من طرح الأسئلة، مصر منبع الأخلاق التى يمثلها نجيب الذى يتحدث إلى الطفل والمتسول والخفير بادئاً كلامه بكلمة «حضرتك وأفندم وهانم»، مصر التى تعرف أن الحكومات ليست وظيفتها أن تدخل الناس الجنة، مصر المنفتحة على كل الثقافات مثل نجيب الذى تسللت إلى خلاياه كتابات ديستوفسكى وتولستوى وفوكنر وهمنجواى وأدباء العبث والوجودية.. إلخ. مصر نجيب الذى لم يسأل أحداً طيلة حياته عن ديانته فهو ابن «الوفد» الذى شكَّل وزارته من المسلم والمسيحى واليهودى أيضاً.

إلى نجيب محفوظ فى ذكراه، نريد مصرك التى ودعتها وهجرتها وهى لن تودعك أو تهجرك، لأنك فى سراديب الروح ونواة العقل وشغاف القلب، نحتاج فقط لإزالة الغبار عن سطح الروح ليظهر لنا «نجيب» محفوظاً وحياً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر النجيبة المحفوظة مصر النجيبة المحفوظة



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

منى زكي في إطلالة فخمة بالفستان الذهبي في عرض L'Oréal

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:56 2024 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

آمال ماهر تتألق في فستان ملكي باللون الأخضر

GMT 11:26 2021 الإثنين ,06 أيلول / سبتمبر

"أدنوك" تعتزم طرح 7.5% من أنشطة الحفر في سوق أبوظبي

GMT 21:50 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

استخراج إبرة خياطة من قلب طفلة في الدقهلية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon