بقلم : خالد منتصر
قناة السويس ليست مجرد ممر ملاحى على خريطة، ولكنها وشم تاريخى خالد على روح ووجدان وعقل هذا الوطن، مياه قناة السويس هى خليط من عرق فلاح مصرى ظل يحفر بفأسه الفقير، ومات حتى تكتمل الملحمة، ودماء جندى مصرى حارب عبر السنين فى ملحمة نضال حتى انتصر واستعادها من براثن ومخالب العدو، ونبض وجهد مهندسين وعمال ومرشدين ظلوا يبدعون ويطورون حتى صارت منظومة هيئة قناة السويس أفضل أوركسترا متناغم على مسرح مصر المحروسة، لذلك فمناسبة الاحتفال بمرور قرن ونصف على افتتاح هذا الشريان الحيوى ليست بالمناسبة التى تمر مرور الكرام. ولذلك تعمل الهيئة، وعلى رأسها الفريق أسامة ربيع، على قدم وساق، وتسابق الزمن كى تنتهى من التجهيزات النهائية لمتحف تاريخى يجسد ماضى وحاضر قناة السويس من خلال مقتنيات تاريخية ترتبط بقناة السويس، ويساهم المتحف فى التراث الثقافى والإنسانى والسياحى.
وفى هذا الصدد تواصلت الهيئة مع جمعية أصدقاء دليسبس لتحقيق التعاون المثمر لمد المتحف، إن أمكن، بمقتنيات تاريخية بحوزتهم عن قناة السويس، وتنظم الهيئة زيارة على أعلى مستوى لأعضاء الجمعية لتطلعهم على أهم المناطق التاريخية فى مدن القناة وتوضح لهم مدى التطورات الكبيرة التى لحقت بقناة السويس على مدار 150 عاماً والإنجازات العملاقة التى تمت والشاهدة على قدرة التحدى الساكنة فى الشعب المصرى، وتمتلك الهيئة مقتنيات تاريخية وصوراً تذكارية ورسوماً قديمة، بالإضافة لمقتنيات «دليسبس» المحفوظة الآن داخل فيلا تاريخية تحتوى على بعض متعلقاته التى كان يستخدمها.
لكن هل قناة السويس تُختزل فى المجرى الذى حُفر منذ قرن ونصف؟ الإجابة لا، فمنذ أن حفر المصريون القناة فى عام 1859 وتم افتتاحها فى عام 1869 فى حفل أسطورى حضره ملوك العالم، ومع تأميم القناة، انتهجت الدولة المصرية سياسة تطوير المجرى، حيث تم تنفيذ عدد من مشروعات التطوير فى مستوى الأعماق ومسطح عرض القناة كى تستقبل كافة الأجيال الحديثة من السفن العملاقة، وتلاحقت عمليات التطوير بإنشاء عدد من التفريعات وامتلاك أسطول من الكراكات العملاقة، ومد الملاحة بأحدث الوسائل الإلكترونية لضمان العبور الآمن بالممر الملاحى التاريخى، وصولاً إلى إنشاء قناة السويس الجديدة التى قللت من زمن عبور السفن ورفعت من التصنيف الملاحى الدولى للقناة. ومنذ أن تولى الفريق أسامة ربيع رئاسة الهيئة، أصدر توجيهاته بتنفيذ مشروعات خدمية للملاحة بتدشين قاطرات كبرى للعمل فى خدمة السفن العابرة بالقناة، بالإضافة إلى وضع خطة لتعظيم الاستفادة من شركات الهيئة وتطويرها، بالإضافة للمخطط الطموح للتطوير ترسانات الهيئة، وتهدف خطة الفريق لتعظيم الاستفادة من كافة مرافق الهيئة، وفى الشهور الأولى لتولى سيادته حققت الهيئة فى شهر أكتوبر 2019 أرقاماً قياسية غير مسبوقة فى العائدات والحمولات الصافية الشهرية فى تاريخ القناة، حيث حققت أعلى إيراد شهرى بلغ 515.1 مليون دولار وأكبر حمولة صافية شهرية بإجمالى حمولات صافية 108.9 مليون طن، كما حققت الهيئة إيرادات سنوية غير مسبوقة خلال الأعوام السابقة.
لم يقتصر دور هيئة قناة السويس على المجرى الملاحى فقط، بل امتد إلى إنشاء مشروعات تنموية بالمنطقة، لتشارك الدولة فى خطة تنمية منطقة قناة السويس، حيث أنشأت الهيئة كبارى عائمة على طول المجرى الملاحى بتخطيط وتصميم وتنفيذ مصرى فى وقت قياسى، لتيسير حركة العبور بين شرق وغرب القناة، وتولى الدولة بكافة أجهزتها اهتماماً بالغاً بهذه المنطقة، حيث تم إنشاء أنفاق أسفل قناة السويس، وجار تنفيذ مشروع لتنمية منطقة قناة السويس وتطوير وإنشاء عدد من الموانئ والمناطق الصناعية.
الاحتفال بمرور ١٥٠ عاماً على افتتاح قناة السويس استطاع أن يعبر حاجز الزمان والمكان، فقد صار احتفالاً عالمياً يتجاوز الإقليم ويعبر حدود الوطن ويستكمل مساحة الحلم، حلم الوطن صاحب الحضارة القادر دوماً على التحدي.