بقلم: خالد منتصر
قناة السويس ليست ممراً مائياً فحسب، لكنها تاريخ نابض وكيان عملاق وخبرات بشر وأحلام وطن، أزمة السفينة الجانحة أيقظتنا على حقيقة أن قناة السويس ليست معبراً للسفن فقط، ولا مصدراً للدخل والإيرادات فقط، ولكنها قبل ذلك كنز من الخبرات والمهارات، مهندسون ومرشدون ومحاسبون وأطباء وعمال مهرة، لديهم انتماء وطنى لهذا الكيان العظيم، الذى دفع الأجداد ثمنه روحاً، واستشهد فى مياهه الأبناء وبذلوا الدماء دفاعاً عنه، واليوم يقف الأحفاد بالتكنولوجيا والخبرة وقبلهما الإرادة لمنع أى محاولات تعطيل للمجرى أو منع للملاحة.
استيقظ العالم على أحفاد الفراعنة، من علموا الدنيا أصول الهندسة، وهم يواجهون هذا الموقف الصعب الذى قدر له العلماء الحل فى شهور، ونفذه أبطال قناة السويس فى أقل من أسبوع، كان الشامتون يسخرون من قناتنا ويصفونها بالترعة، ولطمهم العالم على قفاهم حين وقف على أظافره منتظراً الحل، ارتفعت أسعار النفط، واحتل الخبر مانشيتات أهم الجرائد العالمية ونشرات أخبار الفضائيات الأمريكية والأوروبية.
عرف العالم وحفظ عن ظهر قلب إدارات الهيئة، التحركات والكراكات والهندسية.. إلخ، عرفوا عامل الكراكة والحفار والغطاس والبناء والقياس والقبطان وسائق اللنش، واكتشف أبناء الهيئة طاقاتهم التى استفزها الحدث وصهرتها الأزمة، فخور بأننى أنتمى لهذا الكيان الذى قضيت فيه معظم سنوات عمرى، وبين جدرانه تنفست عبق التاريخ الذى هو ملخص تاريخ المحروسة الحديث، فخور بأننى خدمت هؤلاء الأبطال كجندى فى جيشهم الطبى الأبيض، فخور بجو العائلة الذى نحسه فى المكتب والعيادة والنادى والشارع والسكن، فخور بكل القيادات وبكل العمال، فخور بروح العناد والحب والتصميم، قُبلة على جبين كل من شارك فى تعويم وتحريك ذلك العملاق والمارد العائم على سطح القناة، وواثق من استيعاب الدرس وتدارك أى قصور فى المستقبل، أشد على أياديكم أبطال هذا الصرح الذى سيظل شاهداً على عظمة مصر وتفردها.