بقلم: خالد منتصر
يتعرض منهج البحث العلمى والدوائى لضربات عشوائية من أهل السياسة، فالعلم وخاصة أبحاث الفارماكولوجى على أى دواء جديد ووضع بروتوكولات علاجية لأى مرض ليست لعبة بسيطة على البلايستيشن تخضع لمزاج اللاعبين واختياراتهم، ولكنه روتين صارم ممنهج له خطوات مرتبة، كل خطوة تتم بناء على نجاح الخطوة السابقة، وهكذا، ولذلك ما فعله الرئيس ترامب بالدعاية لدواء «ريجينيرون» فى حديقة البيت الأبيض أمام وسائل الإعلام، فى شكل إعلانى صريح يذكّرنا بإعلان الفنان حسن عابدين عن سر شويبس!!، وإذا كان الفنان معذوراً فى الإعلان التجارى المشروع لأنه فى النهاية يعلن عن مياه غازية وليس دواءً لعلاج كورونا!!، وقف الرئيس وأعلن «أنا شفيت بعد جرعة الريجينيرون بيوم واحد، ومكثت أربعة أيام فى المستشفى برغم أننى كنت من الممكن أن أخرج قبل ذلك، ولذلك سأوفر الدواء وأوافق عليه فوراً»!!
هل الدواء يا سيد ترامب بإمضائك أم بإمضاء هيئة الغذاء والدواء FDA؟!، ولماذا لا تنتظر الخطوات المستقبلية التى تحتاج تجريب الدواء على آلاف الحالات؟، أنت رئيس بالفعل لكنك فى عدد حالات التجارب مجرد فرد مريض واحد، والتجارب الإكلينيكية تحتاج الآلاف، ولا يوجد فى بحوث الفارماكولوجى حساب الرئيس بألف مريض لأنه رئيس أمريكا!، من الممكن عندما يجرب على الآلاف يظهر أنه قد أدى لظهور نوع فيروس أكثر شراسة، أو عرض جانبى مستقبلى أخطر من الكوفيد، أو يظهر أن مناعتك الذاتية وحالتك البدنية هى التى تسببت فى شفائك الذى يحدث تلقائياً لدى ٨٠٪ من المرضى...الخ، البحث والتجارب الإكلينيكية هى التى تحسم مثل هذه المسائل وليست التصريحات الدعائية الإعلانية، حتى لو صدرت من أكبر رئيس فى العالم.
لكن القارئ لا بد أن يعرف ما هو دواء «الريجينيرون»؟، علاج ريجينيرون، المسمى ريجن - كوف - 2. هو مزيج من اثنين من الأجسام المضادة: بروتينات مقاومة للعدوى تم تطويرها للالتصاق بجزء من فيروس كورونا المستجد الذى يستخدمه لغزو الخلايا البشرية، تلتصق الأجسام المضادة بأجزاء مختلفة من «شوكة بروتينية» على غلاف الفيروس، ما يؤدى إلى تشويه بنيتها - بطريقة مماثلة لتغيير شكل مفتاح بحيث لا يلائم قفله، وتتعلق النتائج بـ275 مريضاً فقط، وأوضح جيريمى فاوست، خبير الصحة العامة فى جامعة هارفارد، أن الأمر أثار احتمالات غير مريحة: إما أن فريق الرئيس لم يفهم مجرى العملية العلمية، أو أنهم فهموا ولكن ترامب تجاوزهم استناداً إلى نصيحة شخص آخر. وأضاف: «سيرى الناس هذا وسيعتقدون أن هذا هو العلاج الذى يجب أن تحصل عليه - وإذا لم تعطه لأشخاص آخرين مصابين بفيروس كورونا فإننا بذلك نحرمهم من المعاملة الخاصة».
فلنمنح العلم مساحته الخاصة وصرامته المميزة والتى تنعكس على نتائج الدقة والأمان، لنمنحه سر قوته، منهجه الذى يعتمد على رجاحة العقل لا على العضلات والتهاب العواطف.