بقلم: خالد منتصر
هذا عنوان فيلم إسبانى ساحر شاهدته على «نتفيلكس»، الفيلم آسر فى بساطته، دانتيلا سينمائية بدون أكشن ولا عضلات ولا مطاردات، باختصار خالٍ من كل البهارات الهوليوودية، بطل الفيلم أستاذ رياضيات فى مرحلة ما قبل الزهايمر مباشرة، أثبتت الاختبارات والأشعات أن ما يحدث له من اضطرابات ذاكرة مرجعها إلى مرض الزهايمر، يبدأ الفيلم باختبارات تثير ضيق أستاذ الرياضيات، فالطبيبة تسأله عن أرقام ومعادلات حسابية بسيطة يعتبرها إهانة له، لكن مع كل اختبار يُصدم وتُصدم ابنته فى مدى التدهور، يطلب الرجل الأكاديمى العجوز من ابنته أن تبحث معه عن حبيبته القديمة قبل أن تفلت منه خيوط الذاكرة، يريد أن يتشبّث بتلك الخيوط قبل أن يحط قاربه على شاطئ النسيان، تتردّد البنت، هل تلك خيانة لأمها التى رحلت وهى تتخيل أنها حب أبيها الوحيد؟، أمام رغبة الأب ترضخ، رحلة البحث عن الحب القديم فيها الشجن وفيها الكوميديا، فيها علاقة جميلة بين الحفيدة والجد، علاقة ناعمة وغريبة وأحياناً متوترة، ومع زوج الابنة اللايف كوتش المدعى.
فى نهاية الفيلم، عندما يصل إلى حبيبته التى رسم صورتها القديمة البريئة طوال الطريق، يجدها قد أصيبت بخرف الشيخوخة، وصلت قبله إلى كهف النسيان، تحدق فى الأفق بإحساس التوهان، يحس باللاجدوى، يغادر المكان الذى حلم به طويلاً، لكى تظل صورة الطفلة الصغيرة التى عشقها طفلاً مطبوعة كالوشم فى ذاكرته، وقبل أن يخبو آخر شعاع ضوء فى قبو ظلمته وقبر نسيانه، تكون معشوقته هى لحظة الوداع وشاهد الغياب.
فيلم إنسانى عمقه فى بساطته، وجاذبيته فى عدم استعراض المخرج لبهلوانيات سينمائية، قصة سينمائية مكتوبة بالكاميرا، وهذا يكفى، الصدق يكفى، وتأتى الصنعة فى المرتبة الثانية، كم نحن نخسر بصمات فنية متميزة بعدم مشاهدتنا لسينما مختلفة عن السينما الأمريكية، بالطبع هوليوود هى الأيقونة، لكنها ليست البوصلة الوحيدة للاتجاه الفنى، وليست المازورة السينمائية المتفرّدة التى يجب القياس بها وعليها، وها نحن قد شاهدنا حصد فيلم كورى لجوائز الأوسكار، وهو الذى يتحدث بلغة لا يعرفها إلا سكان هذا البلد فقط، فلننفتح على كل اتجاهات الفن، ولنحلم معاً بسينما إنسانية مصرية تنقل نبض الروح على الشاشة دون شقلباظات استعراضية.