توقيت القاهرة المحلي 00:50:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الموهبة لم تشفع لشفيع

  مصر اليوم -

الموهبة لم تشفع لشفيع

بقلم : خالد منتصر

أن تكون مختلفاً فى مجتمع يقدس النسخ ويمجد الفوتوكوبى ويعشق التوائم الملتصقة ويسمى الركود استقراراً، ويعتبر اجترار ما حدث منذ قرنين من الثوابت، هنا قد حكمت على نفسك بالموت نفياً داخل شرنقتك، لأنك لو تكيفت فأنت قد فقدت ملامحك، وإن لم تتكيف فأنت قد فقدت حاضرك ومستقبلك وأطلقوا عليك صفة «المجنون»، رحل شفيع شلبى الذى لا يعرفه أبناء هذا الجيل، وداعاً يا من لم يتحملك مجتمع يخاصم التمرد، شفيع شلبى هو أفضل من قدم التحقيق التليفزيونى على خلفية ثقافية فى التليفزيونات العربية فى السبعينات، هل ذهابك يا شفيع بدراجة لمبنى ماسبيرو كان كافياً لحرمانك من لقب مذيع؟!! رحمك الله يا من مسك جنون البيرفيكشن الفنى فصرت معزولاً وحيداً محروماً من فردوس الوظيفة الميرى برغم حب الجمهور، يا من حلق بالحلم فاعتبره الموظفون من أرباع المواهب كابوساً مزعجاً لكسلهم وتيبسهم.

يقاس تقدم المجتمعات بمدى تحملها لجنون مبدعيها، إذا ضاق صدر مجتمع بمن هم على يساره، بمن هم خارج أسرابه، بمن يصفرون خارج القطيع ليؤنسوا وحدتهم، بمن لا يلتزمون بخط الطابور المرسوم مسبقاً، هذا المجتمع يكتب تاريخ وفاته ويرسم خريطة انقراضه، ويعد العدة لكى يتحول إلى محمية من قبيلة المطيعين المطوعين التى سرعان ما تذبل أوراق أشجارها وتجف ضروع أفكارها وتتصحر عقول أبنائها، لأنهم تجرأوا ذات يوم وطاردوا لحظة الخلق الفنى والإبداع المتجاوز.

حالة شفيع شلبى تفتح باب قضية مرونة المجتمع لتقبل الآخر المختلف، توسعة الكادر مهمة لأن المختلف الموهوب ليس مجرد نكشة شعر وارتداء كاجوال فى استوديوهات التليفزيون، شفيع شلبى كان موهوباً حقيقياً، كان من القلائل الذين التقطوا أن التليفزيون صورة، وأنه ليس إذاعة بشاشة ١٦ بوصة، لذلك عشق التحقيق التليفزيونى من الشارع، وقدم برنامجه العبقرى «الشارع المصرى» بهذه الروح، أتذكر جيداً حلقاته عن شارع المعز، وهى حلقات تاريخ وفن وثقافة، ورصد لحياة اجتماعية شديدة البساطة والتعقيد فى نفس الوقت، ولأنه مؤمن بثقافة الصورة فقد عشق السينما حتى الثمالة، وصار من مثقفى ونقاد الفن السابع المتميزين، بل وأخرج أفلاماً تسجيلية جيدة ومعبرة عن تلك الروح المتمردة، كان أول من قدم السينما المهمشة على شاشة التليفزيون، سينما فى علب، السينما التسجيلية التى كانت توضع شرائطها على الأرفف سد خانة أو مشاريع تخرج روتينية لمجرد أن يحمل أصحابها الشهادة والختم.

ما زلت أذكر حلقة استضاف فيها خريج معهد السينما الأول على دفعته عاطف بشاى، الذى كان فى العشرينات وقتها ليعرض مشروع تخرجه «لغة الآى آى»، واستضاف معه مؤلف القصة يوسف إدريس!! هكذا كان يفكر شفيع وينجز ويصنع برامجه، ولأنه مذيع مثقف وليس مذيعاً ببغاء، كان يقدر المثقفين حق قدرهم ويعرف أنهم كنز الأمة وبئر نفط الوطن الحقيقية التى لا تجف، لذلك ترك لنا مكتبة عامرة بلقاءات هى من قبيل الذاكرة الثقافية التى لا بد أن نحافظ عليها، ولا أعرف مصير تلك اللقاءات والشرائط، ستجد المعمارى حسن فتحى إلى جانب الفيلسوف زكى نجيب محمود إلى جانب كتيبة الفنانين صلاح جاهين، شفيع شلبى إنسان مصرى لم تشفع له موهبته فى بلاط معبد العادة والمألوف والبديهى والمفروض والواجب وما وجدنا عليه آباءنا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الموهبة لم تشفع لشفيع الموهبة لم تشفع لشفيع



GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 08:18 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 08:15 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

منى زكي في إطلالة فخمة بالفستان الذهبي في عرض L'Oréal

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:56 2024 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

آمال ماهر تتألق في فستان ملكي باللون الأخضر

GMT 11:26 2021 الإثنين ,06 أيلول / سبتمبر

"أدنوك" تعتزم طرح 7.5% من أنشطة الحفر في سوق أبوظبي

GMT 21:50 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

استخراج إبرة خياطة من قلب طفلة في الدقهلية

GMT 08:35 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

النحت على خشب الزيتون من أبرز الصناعات في فلسطين

GMT 20:27 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

طريقة اعداد شوكولاتة ساخنة مع الكريمة وصوص الكراميل

GMT 21:58 2015 الخميس ,10 كانون الأول / ديسمبر

التحقيق مع عمال نظافة مدرسة "اللغات" في الزقازيق

GMT 04:30 2017 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

فاكهة "القشطة الخضراء" تحارب أشرس أنواع السرطانات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon