بقلم: خالد منتصر
أسعدنى الحظ بالمشاركة فى الاحتفال بمئوية كتيبة الفن والإبداع وثروة الثقافة د. ثروت عكاشة، وأسعدنى الحظ أيضاً بلقاء د. مصطفى الفقى والاستماع إليه أمام وخلف الميكروفون، وهو شخصية موسوعية، سريع البديهة، يتمتع بذكاء ولماحية وخفة دم ونشاط ذهن متقد، لغته رشيقة وسلسة ومنضبطة، أدار الندوة بأستاذية وحب، لاحظت أنه يحظى فى الإسكندرية بحب شديد، سواء من النخبة أو من رجل الشارع البسيط، وهو يدير هذا الصرح العظيم مع مجموعة شباب يحق لكل مصرى أن يفخر بهم، دينامو حركة، وابتسامة ود، وإلمام بكل التفاصيل، ونظام صارم لا تتسلل هفوة من أى ثغرة فيه.
مكتبة الإسكندرية بحق منارة عالمية، تجولت فيها وأنا أتنفس تاريخ بداية التنوير فى العالم والذى حملت لواءه مكتبة الإسكندرية العريقة التى تعلّم فيها أهم فلاسفة الدنيا ونقلوا مشاعل الفكر وعلامات الاستفهام القلقة التى أيقظت العالم من سباته إلى كل أرجاء الدنيا. سعدت وشرفت أيضاً بلقاء وزيرة الثقافة د. إيناس عبدالدايم، وأستاذى د. أحمد عكاشة، وأسرة الراحل ثروت عكاشة، ومثقفى الثغر الجميل.
لاحظت من تجولى فى المكتبة وخارجها أيضاً أن شباب الإسكندرية يعشقون الكتب والثقافة والفنون الرفيعة، وهو ما حلم به ثروت عكاشة طيلة حياته. كان الاحتفال رائعاً، وتقف خلف هذا النجاح السفيرة فاطمة الزهراء التى رتبت وجهزت كل برنامج الاحتفالية، سمعنا فيها ممثلة مؤسسة أندريه مالرو، وكلمات محافظ الإسكندرية الذى قدم مفاجأة سارة بإطلاق اسم ثروت عكاشة على أحد الميادين فى عروس البحر الأبيض، وتحدثت وزيرة الثقافة عن كيف شكّل ثروت عكاشة وجدان وعقل الطالبة والفنانة إيناس عبدالدايم، ثم كان مسك الختام كلمة الشقيق الأصغر د. أحمد عكاشة الذى ارتوى من هذا النبع العكاشى الفياض، حيث استعرض سر عبقرية وتميز د. عكاشة الأخ الأكبر، الجدية والالتزام ومحاولة بلوغ الكمال لدرجة الوسوسة، والجمع ما بين صرامة الضابط وخيال الفنان. وكان هناك فيلم تسجيلى عن إنجازات د. ثروت عكاشة التى لا تُحصى ولا تُعد، من متاحف لإنقاذ آثار النوبة ومعبد أبوسمبل والتى شرح لنا أهميتها د. زاهى حواس فى مداخلة افتراضية، وأكاديمية الفنون، وأكثر من ٤٥ كتاباً فى أهم الفنون فى الأزمنة المختلفة، فضلاً عن مذكراته فى السياسة والثقافة، إنشاء مسرح سيد درويش، المجلس الأعلى للثقافة، هيئة الآثار، قصور الثقافة منارات التنوير فى المدن والقرى المصرية.. إلى آخر تلك الأيادى البيضاء على كل البنية التحتية الثقافية لهذا الوطن الذى ما زال يحتاج استعادة تلك المنارات التنويرية والمؤثرة فى مصر والعالم العربى، كل الشكر للدكتور مصطفى الفقى، وكل الأمنيات بأن تظل مكتبة الإسكندرية منارة التنوير التى ترشد الدنيا إلى الحق والخير والجمال.